للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك الترجيح بغير مرجح، لأنه لو كان حال العبد قبل الفعل كحاله حين الفعل سواء؛ فلا مرجح إذن رجح وجود الفعل منه على عدمه.

فلا بد إذن من مرجح يرجح الفعل على ضده، وهو إعانة الله سبحانه (١).

ويقال لهم أيضًا: قد أثبت الله سبحانه في آيات كثيرة أنه لولا نعمته ورحمته وفضله لما وقعت الطاعة من العبد، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات: ٥٧]، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: ٢١]، فإما أن يقولوا بمقتضى هذه الآيات، وأن الله سبحانه ابتدأ المؤمنين بنعمة خصهم بها عن الكافرين، فيخرجوا من قولهم ويوافقوا أهل السنة، وإما أن يقولوا بشمول هذه النعمة للكفار، وهذا باطل إذ يلزم عليه أن يكونوا مؤمنين طائعين، وهذا غير واقع (٢).

وإثبات المعتزلة للألطاف ليس فيه موافقة لأهل السنة في هذه المسألة، ويتضح ذلك ببيان الفرق بينهما.

إذ اللطف عند المعتزلة هو: "كل ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنب القبيح، أو ما يكون عنده أقرب إلى اختيار أو إلى ترك القبيح" (٣)، فهو: "زيادة في تمكين المكلف أو إزاحة علته" (٤).

فاللطف عندهم راجع إلى الإقدار والتمكين فحسب، بل عندهم أنه


(١) انظر ما تقدم ص (٦٩٥).
(٢) انظر: الإبانة للأشعري (٥٢ - ٥٣).
(٣) شرح الأصول الخمسة (٥١٩).
(٤) المصدر السابق (٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>