للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أخبر سبحانه أنه ليس لهم علم بنَوا مقالتهم عليه، بل كانت ثمرة اتباع الظن والخرص والكذب على الله، النابع عن اتباع الهوى.

ثم أعقب سبحانه ذلك بالحجة الدامغة عليهم، التي لا مناص لهم عنها، وهي أن هداية من هَدى، وإضلال من أضل إنما هو عن حكمة بالغة، إليها ترجع مشيئته في ذلك (١).

وتسويتهم بين رضا الله سبحانه ومشيئته باطل، إذ قد يشاء الله سبحانه ما لا يحبه ويرضاه، كما شاء خلق الكفر والفسوق وهو لا يرضاهما ولا يحبهما، وقد يرضى ويحب ما لا يشاء وجوده كإيمان أبي جهل وسجود إبليس، كما قد تقدم في الكلام على الإرادة (٢).

وهذه الآية حجة على كل من المعتزلة والجبرية، فصدرها دافع بصدور الجبرية؛ بإثبات أن للعبد اختيارًا وقدرة على وجه يقطع حجته وعذره في المخالفة والعصيان، وعجزها معجز للقدرية؛ بإثبات نفوذ مشيئة الله تعالى في العبد، وأن جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية (٣).

ومثله قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل: ٣٥].

فقد جعلهم الله سبحانه متبعين في هذه الشبهة الفاسدة لمن سبقهم


(١) انظر: تفسير ابن كثير (٦/ ٢٠٤ - ٢٠٥).
(٢) انظر ما تقدم ص (٥٣٧) وما بعدها.
(٣) انظر: روح المعاني (٨/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>