للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنه يدرك الحكم المترتب عليهما من غير توقف على الشرع، وقالوا باستحقاق الثواب والعقاب والمدح والذم على ذلك، ومن هنا قالوا بأن من لم تبلغه الدعوة؛ فهو مكلف من الله تعالى بما ركَّب فيه من عقل يدرك الحسن والقبح.

قال القاضي عبد الجبار: "فصل في بيان كيفية ما يستحق بالقبيح من الأحكام: أما الذم فإنه يستحق به إذا كان قبيحًا، وفاعله يعلمه كذلك أو يتمكن من كونه عالمًا به، وأن يكون مخلّى بينه وبينه، فمتى فعله والحال هذه استحق الذم، وإنما شرطنا كونه قبيحًا لأن العقل يشهد بأن الفعل إذا لم يكن كذلك لم يحسن ذم فاعله عليه، بل يقبح ذلك، فلا بد من اعتبار قبحه" (١).

وقال في أثناء كلامه على النبوات من "شرح الأصول الخمسة" - بعد أن بيَّن أن ما أتت به الرسل إنما هو تفصيل لما تقرر جملته في العقل -: "يبين ما ذكرناه أن اختلاف الطريق لا يقدح في حصول ما كان طريقًا إليه، فسواء علمنا عقلًا أن هذا الفعل مصلحة وذلك مفسدة، أو علمناه سمعًا؛ فإنه في الحالين جميعًا نعلم وجوب هذا وقبح ذلك" (٢).

وقد اختلف المعتزلة فيما بينهم في الجهة المحسنة والمقبحة على أقوال (٣):

الأول: أن الحسن إنما يحسن لوجه، ككونه نفعًا مفعولًا بالنفس أو بالغير، أو كونه مستحقًّا، أو كون الكلام صدقًا، أو أمرًا بالحسن ونهيًا عن القبيح، ونحو هذه الوجوه.


(١) المغني (١٤/ ١٧٣).
(٢) شرح الأصول الخمسة (٥٦٥).
(٣) انظر: المغني (٦/ ٦١ - ٧٣)، والمحيط بالتكليف (٢/ ٢٣٢ - ٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>