للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعقاب، ويدرك الحسن المناسب لترتب حكمه تعالى فيه بالإيجاب والثواب بفعله والعقاب بتركه، وهذا مما اتفقت عليه الماتريدية (١).

إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك في إدراك العقل لحكم الله سبحانه في الفعل تبعًا لإدراكه الحسن والقبح فيه، أم أن ذلك متوقف على ورود الشرع بعد اتفاقهم على نفي ما بنته المعتزلة على إثبات الحسن والقبح من القول بالوجوب على الله ، واتفاقهم على أن ما ورد به السمع من وعد الرزق والثواب على الطاعة ونحوه ذلك محض فضل وتطوُّل منه سبحانه.

فذهب أبو منصور الماتريدي وعامة مشايخ سمرقند ومشايخ العراق إلى أن من الأفعال ما يدرك العقل حكم الله سبحانه فيه، ومنها ما لا يدرك فيه ذلك، فما يدرك العقل حكمه: وجوب الإيمان بالله ووجوب تعظيمه وحرمة نسبة ما هو شنيع إليه كالكذب والسفه، ووجوب تصديق النبي ، وما يدرك العقل حكمه هو القليل بالنسبة إلى ما لا يدركه.

واستدلوا بما روي عن أبي حنيفة أنه قال: "لا عذر لأحد في الجهل بخالقه لما يرى من خلق السموات والأرض" (٢)، وقوله: "لو لم يبعث الله رسولًا لوجب على الخلق معرفته بعقولهم" (٣).

وذهب ماتريدية بخارى إلى أن إدراك أحكام الأفعال موقوف على ورود الشرع، وأن العقل لا يستقل بدرك شيء من ذلك، بل لا يمتنع عندهم عقلًا


(١) انظر: المسامرة (١٥٤).
(٢) انظر: تقويم الأدلة للدبوسي (٤٤٣)، والمسايرة مع شرحها المسامرة (١٥٧).
(٣) انظر: المسايرة مع شرحها المسامرة (١٥٧)، وعزاه للحاكم الشهيد في المنتقى عن أبي حنيفة .

<<  <  ج: ص:  >  >>