للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لا يأمر الله سبحانه بالإيمان ولا يثيب عليه وإن كان حسنًا، كما لا يمتنع أن لا ينهى عن الكفر ولا يعاقب عليه وإن كان قبيحًا، ومناط ذلك عندهم أن الله سبحانه لا ينتفع بالطاعة كما لا يتضرر بالمعصية، وإذا كان كذلك؛ فلا يمتنع أن لا يكلف الله سبحانه عبادَه بمقتضى ما تدركه عقولهم من حسن وقبح.

والفرق بين قول أبي منصور ومن تبعه وبين قول المعتزلة من وجهين:

الأول: أن هؤلاء يقولون إن الموجب لمقتضى الحسن والقبح اللذين يدركهما العقل هو الله سبحانه، والعقل عندهم لا يعدو كونه آلة وسببًا عاديًّا، بينما الموجب لذلك عند المعتزلة العقل.

الثاني: أن ما يوجب العقل حكمه عندهم قليل بالنسبة لما لا يوجبه، بخلاف المعتزلة.

والفرق بين قول ماتريدية بخارى وقول الأشاعرة من وجهين كذلك:

الأول: أن هؤلاء يثبتون الحسن والقبح الذاتيين، بينما ينفيهما الأشاعرة.

الثاني: أن هؤلاء يقولون: إن الله سبحانه قد لا يأمر بمقتضى الحسن، لكنه لا يأمر بمقتضى القبح (١)، وأما الأشاعرة فيجوزون عقلًا الأمر بالقبح.

فتحصل من هذا أن قول الماتريدية مباين لقولي الأشاعرة والمعتزلة.

وقول الماتريدية أقرب إلى قول أهل السنة من قول غيرهم.

أما ماتريدية بخارى فيخالفون أهل السنة في قولهم بأن العقل لا يدرك مقتضى الحسن والقبح في الأفعال مطلقًا، وبقولهم إنه يجوز عقلًا أن لا يأمر بالله سبحانه بالإيمان ونحوه.


(١) انظر سياق هذه الأقوال في المسامرة بشرح المسايرة (١٥٤ - ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>