وذكر له أن كسرى قد أفسد فارس وجهز بعوثها وابتليت بملكه، وسأله أن يلقاه بمكان يحكمان فيه الأمر. ويتعاهدان فيه، ثم يكشف عنه شهربراز جنود فارس، ويخلي بينه وبين السير الى كسرى، فلما جاء كتاب شهربراز دعا رهطا من عظماء الروم فقال لهم حين جلسوا: أنا اليوم أحزم الناس أو أعجز الناس، وقد أتاني أمر لا تحسبونه وسأعرضه عليكم، فأشيروا علي فيه، ثم قرأ عليهم كتاب شهربراز. فاختلفوا عليه في الرأي، فقال بعضهم: هذا مكر من كسرى، وقال بعضهم: أراد هذا العبد أن يلقاك خاف كسرى فيستميت بك، ثم لا يبالي ما لقي. فقال هرقل: ان الرأي ليس حيث ذهبتم اليه. انه لعمري ما طابت نفس كسرى بأن يشتم هذا الشتم الّذي أجد في كتاب شهربراز. وما كان شهربراز ليكتب بهذا الكتاب وهو ظاهر على عامة ملكي الا لأمر حدث بينه وبين كسرى واني والله لألقينّه. فكتب اليه هرقل: انه بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، واني لاقيك موعدك مكان كذا وكذا، فأخرج بأربعة آلاف من أصحابك فاني خارج في مثلهم. فإذا بلغت مكان كذا وكذا فضع ممن معك خمسمائة فاني سأضع بمكان كذا وكذا مثلهم، حتى نلتقي أنا وأنت في خمسمائة. وبعث هرقل الرسل من عنده الى شهربراز فأمرهم أن يقوموا على ذلك، فان فعل شهربراز لم يرسلوا اليه وان أبى عجلوا اليه بكتاب فرأى رأيه. ففعل ذلك شهربراز، وسار هرقل في أربعة آلاف التي خرج بها، لم يضع منهم أحدا حتى التقيا للموعد، ومع هرقل أربعة آلاف ومع شهربراز خمسمائة. فلما رآهم شهربراز أرسل الى هرقل:
أغدرت؟ فأرسل اليه هرقل: لم أغدر، ولكني خفت الغدر من قبلك.
وأمر هرقل بقبة ديباج لضربت لهما بين الصفين. فنزل هرقل فدخلها وأدخل ترجمانه. وأقبل شهربراز حتى دخل عليه، فانتجيا بينهما ومعهما