للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكن [أسر] ما تكون فيها احذر ما تكون لها، فأن صاحبها كلما اطمأن فيها الى سرور له أشخصته عنها بمكروه، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجلا عليه انقلبت به، فالسار فيها غار، والنافع فيها غدا ضار [١] ، وصل الرخاء فيها بالبلاء، وجعل البقاء فيها الى فناء، سرورها مشوب بالحزن، وآخر الحياة فيها الضعف والوهن، فانظر اليها نظر الزاهد المفارق، ولا تنظر نظر العاشق الوامق واعلم انها تزيل الثاوي الساكن وتفجع المغرور الآمن. لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدرى ما هو آت فيها فينتظر.

فأحذرها فأن أمانيها كاذبة، وأن آمالها باطلة، عيشها نكد، وصفوها كدر، وأنت منها على خطر. اما نعمة زائلة، واما بلية نازلة، واما مصيبة موجعة، واما منية قاضية، فلقد كدت عليه المعيشة ان عقل، وهو من النعماء على خطر، ومن البلوى على حذر، ومن المنايا على يقين، فلو كان الخالق تعالى لم يخبر عنها بخبر، ولم يضرب لها مثلا، ولم يأمر فيها بزهد، لكانت الدار قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله تعالى عنها زاجر، وفيها واعظ. فما لها عند الله عز وجل قدر، ولا لها عند الله تعالى وزن من الصغر، ولا تزن عند الله تعالى مقدار حصاة من الحصا، ولا مقدار ثراة في جميع الثرى [٢] ، ولا خلق خلقا- فيما بلغت- أبغض اليه من الدنيا ولا نظر اليها منذ خلقها مقتا لها، ولقد عرضت على نبينا صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها ولم ينقصه ذلك عنده جناح بعوضة فأبى أن يقبلها وما منعه من القبول لها ولا ينقصه عند الله تعالى شيء الا انه علم ان الله تعالى أبغض شيئا فأبغضه، وصغر شيئا فصغره، ووضع شيئا فوضعه ولو قبلها كان الدليل على حبه إياها قبولها، ولكنه كره ان يحب


[١] في ز: فالسار فيها غار والباقي فيها غذاء صار.
[٢] من هنا الى قوله «وقد يكفي العاقل» عن الازهرية فقط ولم يثبته في المختصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>