للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذُّنُوبِ فَأَرْكَبُهُ، الْكِبْرِيَاءُ إِنَّمَا هُوَ رِدَاءُ الرَّحْمَنِ فأنازعه إِيَّاهُ، وَلَكِنْ كُنْتُ غُلَامًا بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِي يَدْخُلُونَ عَلَيَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَيَتَوَطَّؤُنَ فَرْشِي وَيَتَنَاوَلُونَ مِنِّي مَا يَتَنَاوَلُ الْقَوْمُ مِنْ أَخِيهِمُ الَّذِي لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَنْ وُلِّيتُ خَيَّرْتُ نَفْسِي فِي أَنْ أُمَكِّنَهُمْ مِنِّي حَالَتَهُمُ الَّتِي كُنْتُ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَأُخَالِفُهُمْ فِيمَا خَالَفَ الْحَقَّ، أَوْ أَتَمَنَّعُ عَنْهُمْ فِي بَابِي وَوَجْهِي لِيَكُفُّوا عَنِّي أَنْفُسَهُمْ وَعَنِ الَّذِي أَحْذَرُ عَلَيْهِمْ لَوْ كُنْتُ جَرَّأْتُهُمْ عَلَى نَفْسِي مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْأَدَبِ، فَهُوَ الَّذِي دَعَانِي إِلَى هَذَا» [١] .

حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ:

«أَخْبَرَنِي شَيْخٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- وَقَدْ تَوَجَّعَ لَهُ مِمَّا بَلَغَهُ بِمَا خَلُصَ إِلَى أَهْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْحَاجَةِ- فَتَحَدَّثَا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتُكَ شَيْئًا تَعْمَلُ بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحْلَلْتَهُ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَرْزُقُ الرَّجُلَ مِنْ عُمَّالِكَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي الشَّهْرِ وَمِائَتَيْ دِينَارٍ فِي الشَّهْرِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَرَاهُ لَهُمْ يَسِيرًا إِنْ عَمِلُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَأُحِبُّ أَنْ أُفَرِّغَ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْهَمِّ بِمَعَاشِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا: فَإِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ وَقَدْ ذَكَرَ لِي أَنَّهُ قَدْ خَلَصَ إِلَى أَهْلِكَ حَاجَةٌ وَأَنْتَ أَعْظَمُهُمْ عَمَلًا فَانْظُرْ مَا قَدْ رَأَيْتَهُ حَلَالًا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ فَارْتَزِقْ مِثْلَهُ، فَوَسِّعْ بِهِ عَلَى أَهْلِكَ. قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّكَ لَمْ تَرِدْ إِلَّا خَيْرًا وَأَنَّكَ تَوَجَّعْتَ مِنْ بَعْضِ مَا يَبْلُغُكَ مِنْ حَالِنَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْعَظْمَ إِنَّمَا نَبَتَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنِ اسْتَطَعْتُ لَا أُعِيدُ فِيهِ منه شيئا أبدا [٢] .


[١] ابن الجوزي: سيرة عمر ص ١٧٤.
[٢] ابن الجوزي سيرة عمر ص ١٦٣- ١٦٤ ولم يصرح بمصدره، وقارن بابن عبد الحكم سيرة عمر بن عبد العزيز ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>