للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِحَقِّهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ، وَأَجْلَى لِلْعَمَى، الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظِنِّينًا (١)

فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمُ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ، وَإِيَّاكَ وَالْغَلَقَ وَالْغِلَظَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُصُومِ، وَالتَّنَكُّرَ لِلْخُصُومِ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ الَّتِي يُوجِبُ اللهُ فِيهِ الْأَجْرَ، وَيُحْسِنُ فِيهِ الذُّخْرَ، فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، كَفَاهُ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، شَانَهُ اللهُ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ عَبْدِهِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَاجِلِ رِزْقِهِ، وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ (٢)،

وَالسَّلَامُ


(١) أو ظنينا في ولاء أو نسب: أي منهم (الكامل في اللغة ١/ ١٨) ..
(٢) قوله: «فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته»، يريد به تعظيم جزاء المخلص وأنه رزق عاجل إما للقلب أو للبدن أو لهما .. ورحمته مُدَّخَرة في خزائنه؛ فإنَّ الله سبحانه يجزي العبد على ما عمل من خيرٍ في الدنيا ولا بُدَّ، ثم في الآخرة يوفيه أجره، كما قال تعالى: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٨٥] فما يحصل في الدنيا من الجزاء على الأعمال الصالحة ليس جزاء توفية، وإن كان نوعاً آخر كما قال تعالى عن إبراهيم: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: ٢٧] وهذا نظير قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: ١٢٢] فأخبر سبحانه أنه آتى خليله أجره في الدنيا من النعم التي أنعم بها عليه في نفسه وقلبه وولده وماله وحياته الطيبة، ولكن ليس ذلك أجر توفية، وقد دل القرآن في غير موضع على أنَّ لكل من عمل خيراً أجرين: عمله في الدنيا، ويُكمل له أجره في الآخرة كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا =

<<  <   >  >>