وأما البرنس أرناط فكان السلطان قد نذر أنه إذا ظفر به قتله، وذلك أنه كان عبر به بالشوبك قافلة من الديار المصرية في حالة الصلح فنزلوا عنده بالأمان، فغدر بهم وقتلهم، فناشدوه الله والصلح الذي بينه وبين المسلمين، فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وبلغ ذلك السلطان، فحمله الدين والحميّة على أنه نذر إن ظفر به قتله. ولما فتح الله بالنصر والظفر جلس السلطان في دهليز الخيمة فإنها لم تكن نصبت والناس يتقربون إليه بالأسرى ومن وجدوه من المقدمين، ونصبت الخيمة، وجلس فرحاً مسروراً لما أنعم الله به عليه، ثم استحضر الملك جفري وأخاه والبرنس أرناط، وناول الملك جفري شربة من حلاب بثلج، فشرب منها وكان على أشدّ حال من العطش، ثم ناول بعضها البرنس أرناط، فقال السلطان للترجمان: قل للملك أنت الذي سقيته وأما أنا فما سقيته، وكان على عادة جميل العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل وشرب من ماء لمن أسره أمن بذلك، جرياً على مكارم الأخلاق، ثم أمرهم بمسيرهم إلى موضع عين لنزولهم، فمضوا وأكلوا شيئا ثم عادوا، فاستحضرهم ولم يبق عنده سوى بعض الخدم، وأقعد الملك في الدهليز، واستحضر البرنس أرناط وأوقفه على ما قال،