ولما استقر قدم ملك الألمان في أنطاكية أخذها من صاحبها وحكم فيها، وكان بين يديه فيها ينفذ أوامره، فأخذها منه غيلة وخديعة وأودعها خزائنه وسار عنها في الخامس والعشرين من رجب متوجها نحو عكا في جيوشه وجموعه على طريق اللاذقية حتى إلى طرابلس، وكان قد سار إليه من معسكر الإفرنج يلتقيه المركيس صاحب صور، وكان من أعظمهم حيلة وأشدهم بأساً، وهو الأصل في تهييج الجموع من وراء البحر. وذلك أنه صوّر القدس في ورقة، وصوّر فيه صورة القمامة التي يحجون إليها ويعظمون شأنها وفيه قبة قبر المسيح الذي دفن فيه بعد صلبه بزعمهم، وذلك القبر هو أصل حجهم، وهو الذي يعتقدون نزول النور عليه في كل سنة في كل عيد من أعيادهم، وصوّر على القبر فرساً عليه فارس مسلم راكب عليه وقد وطئ قبر المسيح وبال الفرس على القبر وأبدى هذه الصورة وراء البحر في الأسواق والمجامع والقسوس يحملونها ورؤوسهم مكشوفة وعليهم المسوح وينادون بالويل والثبور، وللصور عمل في قلوبهم، فإنها أصل دينهم، فهاج بذلك خلق لا يحصي عددهم إلا الله، وكان من جملتهم ملك الألمان وجنوده فلقيهم المركيس لكونه أصلا في استدعائهم إلى هذه الواقعة، فلما اتصل به قوى قلبه ونصره بالطرق وسلك به الساحل خوفاً من أنه إذا أتى على بلاد حلب وحماة ثار لهم المسلمون