وفي سنة ست وستين سار نور الدين محمود بن زنكي إلى الموصل وهي بيد أخيه غازي بن مودود بن عماد الدين زنكي بن آقسنقر فاستولى عليها نور الدين وملكها. ولما ملك نور الدين الموصل قرر أمرها وأطلق المكؤس منها، ثم وهبها لابن أخيه سيف الدين غازي وأعطى سنجار لعماد الدين وهو أكبر من أخيه، فقال كمال الدين الشهورزوري: هذا طريق إلى أذى يحصل للبيت الأتابكي، لأن عماد الدين كبير لا يرى طاعة أخيه سيف الدين وسيف الدين هو الملك لا يرى الإغضاء لعماد الدين فيحصل الخلف وتطمع الأعداء.
وفي هذه السنة سار صلاح الدين عن مصر فغزا بلاد الإفرنج قرب عسقلان والرملة وعاد إلى مصر ثم خرج إلى إيلة وحصرها وهي للإفرنج على ساحل البحر الشرقي ونقل إليها المراكب وحصرها براً وبحراً وفتحها في العشر الأول من ربيع الآخر واستباح أهلها وما فيها وعاد إلى مصر، ولما استقر صلاح الدين بمصر كان دار الشحنة تسمى دار المعونة يحبس فيها فهدمها صلاح الدين وبناها مدرسة للشافعية. وكذلك بنى دار العزل مدرسة للشافعية، وعزل قضاة المصريين وكانوا شيعاً ورتب قضاة شافعية وذلك في العشرين من جمادى الآخرة. وكذلك اشترى تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين منازل العز وبناها مدرسة للشافعية.
ذكر إقامة الخطبة العباسية بمصر
وانقراض الدولة العلوية
ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة وفيها ثاني جمعة من المحرم قطعت خطبة العاضد لدين الله. وكان سبب الخطبة العباسية بمصر أنه لما تمكن صلاح الدين بمصر وحكم على القصر وأقام فيه قراقوش الأسدي وكان خصياً أبيض وبلغ نور الدين ذلك، أرسل إلى صلاح الدين حتماً جزماً بقطع الخطبة العلوية، وإقامة الخطبة العباسية، فراجعه صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة، فلم يلتفت نور الدين إلى ذلك وأصرّ عليه، وكان العاضد قد مرض فأمر صلاح الدين الخطباء أن يخطبوا للمستضيء ويقطعوا خطبة العاضد فامتثلوا ذلك ولم ينتطح فيها عنزان، وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أحد من أهله بقطع خطبته، وتوفي العاضد يوم عاشوراء ولم يعلم بقطع خطبته.