ولما كانت ليلة الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة استحضر السلطان الأمراء عنده، فحضر الأمير أبو الهيجاء السمين بمشقة عظيمة وجلس على كرسي في خيمة السلطان، وحضر المشطوب والأسدية بأسرهم وجماعة الأمراء ثم مرني أن أكلمهم وأحثهم على الجهاد، فذكرت ما يسّره الله من ذلك. وكان مما قلته أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما اشتد به الأمر بايعه الصحابة رضي الله عنهم على الموت في لقاء العدو، ونحن أولى من تأسّى به صلّى الله عليه وسلّم، والمصلحة الاجتماع عند الصخرة والتحالف على الموت، ولعل ببركة هذه النية يندفع هذا العدو، فاستحسن الجماعة ذلك ووافقوا عليه، ثم شرع السلطان بعد أن سكت زماناً في صورة مفكر والناس سكوت كأن على رؤوسهم الطير فقال: الحمد لله والصلاة على رسول الله، اعلموا أنكم جند الإسلام اليوم ومنعته، وأنتم تعلمون أن دماء المسلمين وأموالهم وذراريهم معلقة بذممكم، وأن هذا العدو ليس له من المسلمين من تلقاه إلاّ أنتم، فإن وليتم بأنفسكم والعياذ بالله طوى البلاد طي السجل للكتاب وكان ذلك في ذمتكم فإنكم أنتم الذين تصدّيتم لهذا وأكلتم مال بيت المال، فالمسلمون في سائر البلاد متعلقون بكم والسلام. فانتدب لجوابه سيف الدين المشطوب وقال: يا مولانا نحن مماليكك وعبيدك، وأنت أنعمت علينا وكبرتنا وعظمتنا وأعطيتنا وليس لنا إلا رقابنا وهي بين يديك، والله لا يرجع أحد منا عن نصرتك إلى أن نموت. فقال الجماعة مثل ما قال. فانبسطت نفسه بذلك المجلس وطاب قلبه