وأطعمهم ثم انصرفوا وانقضى يوم الخميس على أشد حال التأهب والاهتمام حتى كانت العشاء الآخرة وجميعنا في خدمته على العادة، وسهرنا حتى مضى من الليل هزيع وهو غير منبسط على عادته ثم صلينا العشاء، وكانت العشاء هي الدستور العام، فصلينا وأخذنا في الانصراف فاستدعاني، فلما جلست في خدمته قال لي علمت ما الذي تجدد؟ قلت: لا. قال: إن أبا الهيجاء السمين أنفذ إليّ اليوم وقال أنه اجتمع عنده جماعة من المماليك وأنكروا علينا مواقفنا على الحصار وقالوا لا مصلحة في ذلك فإنا نخاف أن نحصر ويجري علينا مثل ما جرى على عكا وحينئذ تؤخذ بلاد الإسلام أجمع، والرأي أن نلقى مصاف فإن قدّر الله تعالى أن نهزمهم ملكنا بقية بلادهم. وإن تكن الأخرى يسلم العسكر ويمض القدس وقد حفظ الإسلام بعساكره مدة بغير القدس، وكان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال فشقت عليه هذه الرسالة. وأقمت تلك الليلة في خدمته وهي من الليالي التي أحييتها في سبيل الله. وكان مما قالوه في الرسالة إن أردت أن نقيم فتكون معنا أنت أو بعض أهلك وإلاّ فالأكراد لا يدينون للأتراك، والأتراك كذلك، فانفصل الحال على أن يقيم من أهله مجد الدين بن فخروشاه وصاحب بعلبك. وكان رحمه الله يحدث نفسه بالمقام ثم صرف رأيه عنه لما فيه من الخطر على الإسلام، فلما أن قارب الصبح وأشفقت عليه خاطبته في أن يستريح ساعة، وانصرفت عنه فما وصلت إلا والمؤذن قد أذّن، فأخذت في أسباب الوضوء فما فرغت إلا والصبح قد طلع، فعدت