من كل جانب وقامت عليهم كلمة الحق من كل صوب. ومع ذلك لم يسلموا من شن الغارات عليهم فإن الملك المظفر قصدهم بعساكره وجمع لهم جموعاً وهجم عليهم هجوماً عظيماً أخذ فيه من أطراف عساكره، وكان قد لحقهم بأوائل عسكره، ولو لحقهم الملك الظاهر بعساكره لقضى عليهم، ولن لكل أجل كتاب، واختلف حزر الناس لهم. ولقد وقفت على كتب بعض المخبرين بالحرب فقد حرز فارسهم وراجلهم بخمسة آلاف بعد أن كانوا قد خرجوا على ما ذكر، فانظر إلى صنع الله مع أعدائه. ولقد وقفت على بعض الكتب فذكر فيه أنهم لما ساروا من اللاذقية يريدون جبلة وجدوا في أعقابهم نيفاً وستين فرساً قد عطبت وانتزع لحمها ولم يبق فيها إلا العظام من شدة الجوع، ولم يزالوا سائرين وأيدي المسلمين تخطفهم من حولهم نهباً وقتلاً وأسرا، حتى أتوا طرابلس، ووصل خبر وصوله بكرة الثلاثاء ثامن شعبان سنة ست وثمانين وخمسمائة.
هذا والسلطان ثابت الجأش راسخ القدم لا يرده ذلك عن حراسة عكا والحماية لها ومراصدة العسكر النازل بها وشن الغارات عليها والهجوم عليهم في كل وقت، مفوضا أمره إلى الله معتمداً عليه منبسط الوجه لقضاء حوائج الناس مواصلاً يسره من يفد إليه من الفقراء والفقهاء والمشايخ والأدباء. ولقد كنت إذا بلغني هذا الخبر تأثرت حتى دخلت عليه وأجد منه من قوة الله وشدة البأس ما يشرح صدري وأتيقن معه نصرة الإسلام وأهله.