صيحة الرجل الواحد وهجموا عليه هجمة الأسود على فرائسها فثبتوا وصبروا وقاتلوا قتالاً شديداً ثم ولوا منهزمين فتمكن أولياء الله منهم وأوقعوا فيهم ضرباً بالسيف حتى أفنوا منهم جمعاً عظيماً واستسلم الباقون للأسر فأسروهم وأخذوا خيلهم وعددهم وجاء البشير إلى العسكر الإسلامي فارتفعت الأصوات بالتهليل وركب السلطان يتلقى المجاهدين وسار وكنت في خدمته حتى أتى تل كيسان فلقينا أوائل القوم فوقف هناك يتلقى العائدين من المجاهدين والناس يتبركون بهم ويشكونهم على حسن صنيعهم وهو يعتر الأسرى ويتصفح أحوالهم. وكان ممن أسر مقدم عسكر الإفرنسيس فإنه كان قد أنفذ نجدة قبل وصوله وأسر خازن الملك أيضاً وعاد السلطان بعد تكامل الجماعة إلى مخيمه فرحاً مسروراً وأحضر الأسرى عنده وأمر منادياً ينادي من أسر أسيراً فليحضر الناس أسراهم وكنت حاضراً ذلك المجلس. ولقد أكرم المقدمين منهم وخلع عليهم وعلى مقدم عسكر الإفرنسيس فروة خاصة وأمر لكل واحد من الباقين بفروة جرخية فإن البرد كان شديداً وكان قد أخذ منهم وأحضر لهم طعاماً فأكلوه وأمر لهم بخيمة تضرب قريباً من خيمته وكان يكارمهم في كل وقت ويحضر المقدم على الخوان في بعض الأوقات وأمن بتنفيذهم وحملهم إلى دمشق، حملوا مكرمين وأذن لهم في أن يراسلوا صاحبهم وأن يحضر لهم من عسكرهم ما يحتاجون إليه من الثياب وغيرها ففعلوا ذلك وساروا إلى دمشق.
[ذكر عود العسكر عن الجهاد]
ولما هجم الشتاء وهاج البحر وأمن العدو أن يضرب مصاف