ثم دخلت سنة ست وسبعين وخمسمائة وفي هذه السنة ثالث صفر توفي سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي بن اقسنقر صاحب الموصل والديار الجزرية وكان مرضه السل وطال وكان عمره نحو ثلاثين سنة وكانت ولايته عشر سنين ونحو ثلاثة أشهر وكان حسن الصورة مليح الشباب تام القامة أبيض اللون عاقلاً عادلاً عفيفاً شديد الغيرة لا يدخل بيته غير الخدم إذا كانوا صغاراً فإذا كبر أحدهم منعه وكان عفيفاً عن أموال الرعية مع شح كان فيه وأوصى بالمملكة بعده إلى أخيه عز الدين مسعود بن مودود وأعطى جزيرة ابن عمر وقلاعها لولده سنجار شاه فاستقر ذلك بعد موته حسبما قرره وكان مدبر الدولة والحاكم فيها مجاهد الدين قيماز.
وفي هذه السنة سار السلطان إلى جهة قليج أرسلان صاحب بلاد الروم ووصل إلى رعبان ثم اصطلحوا فقصد صلاح الدين بلاد ابن ليون الأرمني وشن فيها الغارات فصالحه ابن ليون على مال حمله وأسرى أطلقها.
وفيها توفي شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو صلاح الدين الأكبر بالإسكندرية وكان له معها أكثر بلاد اليمن ونوابه هناك يحملون إليه الأموال من زبيد وعدن وغيرهما وكان أجود الناس وأسخاهم كفاً يخرج كل ما يحمل إليه من أموال اليمن ودخل الإسكندرية، ومع هذا فلما مات كان عليه نحو مائتي ألف دينار مصرية فوفاها أخوه صلاح الدين عنه لما وصل إلى مصر في هذه السنة من شعبان واستخلف بالشام ابن أخيه عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك.
ثم دخل سنة سبع وثمانين وخمسمائة وفيها عزم البرنس صاحب الكرك على المسير إلى مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم للاستيلاء على تلك النواحي الشرقية وسمع ذلك عز الدين فرخشاه نائب عمه السلطان بدمشق فجمع جموعاً وقصد بلاد الكرك وأغار عليها وأقام في مقابلة البرنس ففرق البرنس جموعه وانقطع عزمه عن الحركة.
وفيها وقع بين نواب توران شاه باليمن بعد موته اختلاف فخشي السلطان صلاح الدين على اليمن فجهز إليه عسكراً مع جماعة من أمرائه فوصلوا إلى اليمن واستولوا عليه وكان نواب توران شاه على عدن عز الدين عثمان وعلى زبيد حطان بن كامل بن منقذ الكناني من بيت صاحب شيزر.