وفيها قدم معز الدين قيصرشاه بن قليج أرسلان صاحب بلاد الروم إلى صلاح الدين. وسببه أن والده فرق مملكته على أولاده وأعطى ولده هذا ملطية ثم تغلب بعض أخوته على أبيه وألزمه بأخذه ملطية من أخيه المذكور فخاف من ذلك وسار إلى السلطان ملتجئاً إليه فأكرمه السلطان وزوجه بابنة أخيه الملك العادل وعاد معز الدين إلى ملطية في ذي القعدة. قال ابن الأثير لما ركب صلاح الدين ليودع معز الدين قيصر شاه ترجل معز الدين وترجل السلطان، ولما ركب السلطان عضده قيصر شاه وأركبه وكان علاء الدين بن عز الدين مسعود صاحب الموصل مع السلطان إذ ذاك، فسوى ثياب السلطان أيضاً فقال بعض الحاضرين في نفسه ما بقيت تبالي يا ابن أيوب بأي موتة تموت يركبك ملك سلجوقي ويصلح قماشك ابن أتابك زنكي وفيها قتل أبو الفتح يحيى الملقب شهاب الدين السهروردي الحكيم الفيلسوف بقلعة حلب محبوساً أمر بخنقه الملك الظاهر غازي بأمر والده السلطان، قرأ المذكور الأصولين والحكمة بمراغة على مجد الدين ثم سافر إلى حلب وكان علمه أكبر من عقله، فنسب إلى انحلال العقيدة وأنه يعتقد مذهب الفلاسفة فأفتى الفقهاء بإباحة دمه لما ظهر من سوء مذهبه واشتهر عنه، وكان أشدهم في ذلك زين الدين ومجد الدين ابنا جهبل. حكى الشيخ سيف الدين الآمدي قال اجتمعت بالسهروردي في حلب فقال لي لابد أن أملك الأرض فقلت من أين لك هذا؟ قال: رأيت في المنام كأني شربت ماء البحر فقلت لعل ذلك يكون اشتهار علمك وما يناسب هذا فرأيته لا يرجع عما وقع في نفسه ووجدته كثير العلم قليل العقل، كان عمره لما قتل ثمانية وثلاثين سنة وله عدة مصنفات في الحكمة منها التلويحات والتنقيحات والمشارع والمطارحات وكتاب الهياكل وحكمة الإشراق وكان يزعم أنه يعرف السيمياء وله نظم حسن.
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وفيها سارت الإفرنج إلى عسقلان، وشرعوا في عمارتها في محرم والسلطان بالقدس، وفيها قتل المركيس صاحب صور لعنه الله تعالى قتله الباطنية وكانوا قد دخلوا في زي الرهبان إلى صور.