وكان قد ركب إلى لقائه في المرج وسار بهم حتى وقف بهم على العدو وشاهدوا من جند الله ما أزعجهم وأقلقهم، وفي أواخر ذلك اليوم قدم مظفر الدين بن زين الدين جريدة أيضاً مسارعة للخدمة ثم عاد إلى عسكره في لامة الحرب فعرضهم السلطان حتى وقف بهم على العدو، وكان ما تقدم عسكر إلا يعرضهم ويسيرهم إلى العدو وينزل بهم في خيمته يمد لهم الطعام وينعم عليهم بما يطيب به قلوبهم إذا كانوا أجانب ثم تضرب خيامهم حيث يأمر وينزلون بها مكرمين.
[لطيفة تدل على سعادة ولده الملك الظاهر عز نصره]
وذلك أن العدو كان قد اصطنع ثلاثة أبراج من خشب وحديد وألبسها الجلود المسقاة بالخل على ما ذكر بحيث لا تنفذ فيها النيران وكانت هذه الأبراج كأنها الجبال نشاهدها من مواضعنا عالية على سور البلد وهي مركبة على عجل يسع الواحد منها من المقاتلة ما يزيد على خمسمائة نفر على ما قيل ويتسع سطحها لأن ينصب عليه منجنيق وكان ذلك قد عمل في قلوب المسلمين وأودعها من الخوف ما لا يمكن شرحه وأيس الناس من البلد بالكلية وتقطعت قلوب المقاتلة فيه وكان فرغ من عملها ولم يبق إلا جرها إلى قريب السور وكان السلطان قد أعمل فكره في إحراقها وإهلاكها وجمع الصناع من الزراقين والنفاطين وحثهم على الاجتهاد في إحراقها