وذلك أنه لما سار الملك الأفضل رقق الملك العادل قلب السلطان على ابن تقي الدين، وقد كثر الحديث في معناه، وأنفذني السلطان لمشاورة الأمراء في خدمة الملك العادل في أمره، فجمعهم في خدمته، فذكرت لهم ما راسلني فيه إليهم، فانتدب الأمير حسام الدين أبو الهيجاء للجواب، وقال نحن عبيده ومماليكه وذلك صبي وربما حمله خوفه أن انضاف إلى جانب آخر ونحن لا نقدر على الجمع بين قتال المسلمين والكفار، فإن أراد أننا نقاتل المسلمين صالحنا الكفار وسرنا إلى ذلك الجانب وقاتلنا بين يديه، وإن أراد منا ملازمة الغزاة صالح المسلمين وسامحهم. وهذا كان جواب الجميع، فرق السلطان وجدد نسخة يمين لابن تقي الدين وحلف له بها وأعطاه خطه بما استقر من القاعدة. ثم إن الملك العادل التمس من السلطان البلاد التي كانت بيد ابن تقي الدين بعد استقلاله، وجرت مراجعات كثيرة في العوض عنها، وكنت الرسول بينهما، وكان آخر ما استقر أنه يسلم تلك البلاد وينزل عن كل ما هو شامي الفرات ما عدا الكرك والشوبك والصلت والبلقاء، وحاصه بمصر بعد النزول عن الجيزة وعليه في كل سنة ستة آلاف غرارة غلة تحمل للسلطان من الصلت والبلقاء إلى المقدس والمغل في السنة المذكورة في مواضعه له ومغل قاطع الفرات في هذه السنة للسلطان أيضاً، وأخذ خط السلطان بذلك، وسار بنفسه يصلح أمر ابن تقي الدين ويطيب قلبه، وكان مسيره في ثامن جمادى الأولى.