كتب بهاء الدين قراقواش وهو والي البلد والمقدم على الأسطول والحاجب لؤلؤ يذكران السلطان أنه لم يبق بالبلدة ميرة إلا قدر يكفي إلى ليلة النصف من شعبان لا غير، فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لخاص ولا لعام خشية الشيوع والبلوغ إلى العدو فتضعف به قلوب المسلمين، وكان قد كتب إلى مصر بتجهيز ثلاث بطس مشحونة بالأقوات والأدم والمير وجميع ما يحتاج إليه في الحصار بحيث يكفيهم ذلك طول الشتاء، وأقلعت البطس الثلاث من الديار المصرية ولججت في البحر تتوقى النوتية بها الريح حتى ساروا بالريح التي تحملها إلى نحو عكا، ولم يزالوا كذلك حتى وصلوا إلى عكا ليلة النصف من شعبان المذكور وقد فني الزاد، ولم يبق عندهم ما يطعمون الناس في ذلك اليوم، وخرج عليها أسطول العدو يقاتلها، والعساكر الإسلامية تشهد ذلك من الساحل، والناس في تهليل وتكبير، وقد كشف المسلمون رؤوسهم يبتهلون إلى الله تعالى في القضاء بتسليمها إلى البلد والسلطان على الساحل كالوالدة الثكلى، يشاهد القتال ويدعو ربه بنصره، وقد علم من شدة القوم ما لم يعلمه غيره وفي قلبه ما في قلبه، والله يثبته، ولم يزل القتال يعمل حول البطس من كل جانب والله يدفع عنها والريح يشتد والأصوات قد ارتفعت من الطائفتين والدعاء يخرق الحجب حتى وصلوا سالمين إلى ميناء البلد وتلقاهم أهل عكا تلقي الأمطار عن جدب، وامتاروا ما فيها، وكانت ليلة بليال.