ولما كان السادس والعشرون كان اليزك للعادل فطلب الأنكتار رسوله فأنفذ الصنيعة وهو كاتبه. وكان شاباً حسناً، فوصل إليه وهو في بازور قد خرج في جمع كثير من الرجالة وانبثوا في تلك الأرض فاجتمع به وسار معه زمناً طويلا وحادثه في معنى الصلح وقال لا ارجع عن كلام أتحدث به من أخي وصديقي، يعني العادل، وذكر له كلاماً وعاد وأخبره به، فكتبه الملك العادل في رقعة وأنفذها إلى السلطان وكان يتضمن أنك تسلم عليه وتقول له إن المسلمين والإفرنج قد هلكوا وخربت البلاد وخرجت من يد الفريقين بالكلية، وقد تلفت الأموال والأرواح من الطائفتين وقد أخذ هذا الأمر حقه وليس هناك حديث سوى القدس والصليب والبلاد، والقدس متعبدنا ما ننزل عنه ولو لم يبق منا إلاّ واحدا. وأما البلاد فيعاد إلينا ما هو قاطع الأردن. وأما الصليب فهو خشبة عندكم لا مقدار له وهو عندنا عظيم فيمنّ به السلطان علينا ونصطلح ونستريح من هذا التعب. ولما وقف السلطان على هذه الرسالة استدعى أرباب المشورة في دولته واستشارهم في الجواب والذي رآه السلطان أن قال القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فإنّه مسرى نبيّنا ومجتمع الملائكة، فلا تتصوّر أن ننزل عنه ولا نقدر على التفريط بذلك بين المسلمين، وأما البلاد فهي أيضاً لنا في الأصل واستيلاؤكم عليها كان طارئاً عليها لضعف من كان فيها من المسلمين في ذلك الوقت، وما يقدركم الله على عمارة حجر منها ما دام الحرب قائما، وما في أيدينا منها نأكل بحمد الله مغله وننتفع به. وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة لا يجوز لنا أن نفرّط فيها إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها، وسار هذا الجواب إليه مع الواصل منه.