ولما بصر الإفرنج بأوائل المدد قد لحق السرية عادوا منهزمين ناكصين على أعقابهم بعد أن جرت مقتلة عظيمة من الجانبين وكانت القتلى من الإفرنج على ما ذكر من حضر فإني لم أكن حاضرها زهاء عشرة أنفس ومن المسلمين ستة أنفار اثنان من اليزك وأربعة من العرب منهم الأمير رامل وكان شاباً تاماً حسن الشباب مقدم عشيرته. وكان سبب قتله أنه تقنطرت به فرسه ففداه ابن عمه بفرسه فتقنطرت به أيضاً وأسر هو وثلاثة من أهله. ولما بصر الإفرنج بالمدد للعسكر قتلوهم خشية الاستنقاذ وجرح خلق كثير من الطائفتين وخيل كثيرة. ومن نوادر هذه الوقعة أن مملوك السلطان أثخن بالجراح حتى وقع بين القتلى وجراحاته تشخب دماً وبات ليلته أجمع على تلك الحالة إلى صبيحة يوم الثلاثاء فتفقده أصحابه فلم يجدوه فعرفوا السلطان فقده فأنفذ من يكشف خبره فوجدوه بين القتلى على مثال هذه الحالة فحملوه ونقلوه إلى المخيم على تلك الحال وعافاه الله وعاد السلطان إلى المخيم يوم الأربعاء عاشر الشهر منصوراً، فرحاً مسروراً.
[ذكر أخذ أصحاب الشقيف وسبب ذلك]
ثم استفاض بين الناس أن صاحب الشقيف فعل ما فعله من المهلة غيلة لا أنه صادق في ذلك وإنما قصد فيه تدفع الزمان وظهر لذلك مخائل كثيرة من الحرص في تحصيل الميرة وإتقان الأبواب وغير ذلك فرأى السلطان أن يصعد إلى سطح الجبل ليقرب من المكان ويرسل سراً من يمنع من دخول النجدة والميرة إليه وأظهر أن سبب ذلك شدة حر الزمان والفرار من وخم المرج. وكان انتقاله إلى سطح الجبل ليلة الثاني عشر من الشهر وقد مضى من الليل ربعه فما أصبح صاحب الشقيف إلا والخيمة مضروبة وبقي بعض