الدين شيركوه واشتد ضعف البلد وكثرت ثغور سوره وجاهد المقيمون فيه وبنوا عوض الثلم سوراً من داخلها حتى إذا تم بناؤه اقتتلوا عليه، واشتد ثبات الإفرنج على أنهم لا يصالحون ولا يعطون الذين في البلد أماناً حتى يطلق جميع الأسارى الذين في أيدي المسلمين وتعاد البلاد الساحلية إليهم وبذل لهم تسليم البلد وما فيه دون ما فيه فلم يفعلوا وبذل لهم أيضاً مع ذلك صليب الصلبوت فلم يفعلوا واشتد عتوهم واستفحل أمرهم وضاقت الحبل عنهم ومكروا والله خير الماكرين.
[ذكر مصالحة أهل البلد ومصانعتهم على نفوسهم]
ولما كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة خرج العوام من الثغر ونطقت الكتب عنهم أن أهل البلد ضاق بهم الأمر وكثرت الثغر وعجزوا عن الحفظ والدفع ورأوا عين الهلاك وتيقنوا أنه متى أخذت البلد عنوة ضربت أعناقهم عن آخرهم وأخذ جميع ما فيه من العدد والأسلحة والمراكب وغير ذلك فصالحهم على أن يسلمون إليهم البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدد والمراكب ومائتي ألف دينار وألف وخمسمائة فارس أسير مجاهيل الأحوال ومائة فارس معينين من جانبهم يختارون وصليب الصلبوت ويخرجون بأنفسهم سالمين وما معهم من الأقمشة المختصة بهم وذراريهم ونساؤهم وضمنوا للمركيس عشرة آلاف دينار