واستشهد من المعروفين من المسلمين ابن البصاروا وكان شاباً حسناً شجاعاً واحتسبه والده في سبيل الله ولم تقطر من عينه عليه دمعة على ما ذكر جماعة لازموه وهذه الوقعة لم يتفق للإفرنج مثلها في هذه الوقائع التي حضرتها وشاهدتها ولم ينالوا من المسلمين مثل هذه العدة في هذه المدة.
[ذكر مسيرة الجريدة إلى عكا وسبب ذلك]
ولما رأى السلطان ما حل بالمسلمين في تلك الوقعة النادرة جمع أصحابه وشاورهم وقدر معهم أنه يهجم على الإفرنج ويعبر الجسر ويقتلهم ويستأصل شأفتهم وكان الإفرنج قد رحلوا من صور ونزلوا قريب الجسر وبين الجسر وصور مقدار فرسخ وزائد على فرسخ فلما صمم العزم على ذلك أصبح يوم الخميس سابع عشر وركب وسار وتبعه الناس والمقاتلة والعساكر ولما وصل أواخر الناس إلى أوائلهم وجدوا اليزك عائداً وخيامهم قد قلعت فسئلوا عن سبب ذلك فذكروا أن الإفرنج رحلوا راجعين إلى صور ملتجئين إلى سورها معتصمين بقربها وأنهم لما بلغهم ذلك عادوا ولما رأى السلطان ذلك منهم رأى أن يسير إلى عكا ليلحظ ما بني من سورها ويحث على الباقي فمضى إلى عكا ورتب أحوالها وأمر بتتمة عمارة سورها وإتقانه وإحكامه وأمرهم بالاحتياط والاحتراز وعاد إلى العسكر المنصور إلى مرج عيون منتظراً مهلة صاحب الشقيف لعنه الله.