ثم دخلت سنة ثمانين وخمسمائة وفيها في ربيع الآخر سار السلطان من دمشق للغزاة، وكتب إلى مصر فسارت عساكرها إليه، ونازل الكرك وحاصره وضيّق على من به ربض الكرك وبقيت القلعة وليس بينها وبين الربض غير خندق حبيب، وقصد السلطان طمه فلم تقدر لكثرة المقاتلة فجمعت الإفرنج فارسها وراجلها وقصدوه ولم يمكن السلطان إلا الرحيل، فرحل عن الكرك وسار إليهم فأقاموا في أماكن وعرة، وأقام السلطان قبالتهم، وسار من الإفرنج جماعة ودخلوا الكرك فعلم بامتناعه عليه وسار إلى نابلس ونهب ما بتلك النواحي وقتل وأسر وسبى فأكثر ثم نزل إلى سبصطية وبها مشهد زكرياء عليه السلام فاستنقذ ما بها من أسرى المسلمين ثم سار إلى جبنين ثم عاد إلى دمشق.
وفي هذه السنة توفي شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم بن إسماعيل ابن أبي سعيد أحمد وكان قد سار من عند الخليفة إلى السلطان في رسالة ومعه شهاب الدين بشير ليصلح بين صلاح الدين وبين عز الدين مسعود صاحب الموصل فلم ينتظم حال، واتفق أنهما مرضا بدمشق وطلبا المسير إلى العراق وسار في الحر ومات بشير في السخنة، ومات صدر الدين شيخ الشيوخ بالرحبة ودفن بمشهد البوق، وكان أوحد زمانه قد جمع بين رئاسة الدين والدنيا.
وفيها في محرم أطلق عز الدين مسعود صاحب الموصل مجاهد الدين قيماز من الحبس وأحسن إليه.
[ذكر حصار السلطان صلاح الدين الموصل]
ثم دخلت سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وفيها حصر السلطان الموصل وهو حصاره الثاني فأرسل إليه عز الدين والدته وابنة عمه نور الدين بن زنكي وغيرهما من النساء، وجماعة يطلبون منه ترك الموصل وما بأيديهم فردّهم، واستقبح الناس ذلك من صلاح الدين لاسيما وفيهن بنت نور الدين، وحاصر الموصل وضايقها، وبلغه وفاة شاه أرمن صاحب خلاط في ربيع الآخر من هذه السنة فسار من الموصل إلى جهة خلاط باستدعاء أهلها ليملكها.