ووعدهم عليه بالأموال الطائلة والعطايا الجزيلة وضاقت حيلهم عن ذلك وكان من جملة من حضر شاب نحاس دمشقي ذكر بين يديه أن له صناعة في إحراقها وأنه إن مكن من الدخول إلى عكا وحصلت له الأدوية التي يعرفها أحرقها فحصل له جميع ما طلبه ودخل إلى عكا وطبخ الأدوية مع النفط في قدور نحاس حتى صار الجميع كأنه جمرة نار، ولما كان يوم وصول الملك الظاهر ضرب واحداً بقدر فلم يكن إلا أن وقعت فيه فاشتعل من ساعته ووقته وصار كالجبل العظيم من النار طالعة ذؤابته نحو السماء واستغاث المسلمون بالتهليل وعلاهم الفرح حتى كادت عقولهم تذهب وبينما الناس ينظرون ويتعجبون إذ رمى البرج بالقدر الثانية فما كان إلا أن وصلت إليه واشتعلت كالتي قبلها فاشتد ضجيج الفئتين وانعقدت الأصوات إلى السماء وما كان إلا ساعة حتى ضرب الثالث فالتهب وغشي الناس من الفرح والسرور ما حرك ذوي الأحلام والنهي منهم حركة الشباب الرعنا وركب السلطان وركبت العساكر ميمنة وميسرة وقلباً وكان أواخر النهار وسار حتى أتى عسكر القوم وانتظر أن يخرجوا فيناجزهم عملاً بقوله صلّى الله عليه وسلّم من فتح له باب من الخير فلينتهزه. فلم يظهر العدو من خيامهم وحال بين الطائفتين الليل وعاد كل فريق إلى حزبه ورأى الناس ذلك ببركة قدوم الملك الظاهر واستبشر والده بغرته وعلم أن ذلك بيمن صلاح سريرته واستمر ركوب السلطان إليهم في كل يوم وطلب نزالهم وقاتلهم وهم لا يخرجون من خيامهم لعلمهم ببشائر النصر والظفر بهم والعساكر الإسلامية تتواتر وتتواصل.