إلى خدمته وهو يجدد الوضوء، فصلينا ثم قلت له قد وقع لي واقع أعرضه، قال وما هو؟ قلت: من كثر اهتمامه بما قد حمل على نفسه وقد عجزت أسبابه الأرضية ينبغي له أن يرجع إلى الله وهذا يوم الجمعة وهو أبرك أيام الأسبوع فيه دعوة مستجابة ونحن في أبر موضع فالسلطان يغتسل ويتصدق بصدقة خفية بحيث لا يشعر أحد أنها منه ويصلي بين الأذان والإقامة ركعتين يناجي فيهماربه ويفوض مقاليد أموره إليه ويعترف بالعجز عما تصدق له فلعل الله يرحمه ويستجيب دعاءه. وكان حسن العقيدة تام الإيمان يتلقى الأمور الشرعية بأكمل انقياد. ثم انفصلنا، فلما جاء وقت الجمعة صليت إلى جانبه في الأقصى، فصلى ركعتين ورأيته ساجداً وهو يذكر كلمات ودموعه تتقاطر على مصلاه، ثم انقضت الجمعة بخير، ولما كانت عشيتها ونحن في خدمته على العادة وصلت رقعة من جرديك وكان في اليزك وكان جملة ما فيها أن القوم ركبوا بأسرهم ووقفوا في التل وقت الظهيرة، ثم عادوا إلى خيامهم وقد سيّرنا جواسيس تكشف أخبارهم. ولما كانت صبيحة السبت وصلت رقعة أخرى يخبر فيها أن الجواسيس رجعوا وأخبروا أن القوم اختلفوا في الصعود إلى القدس، وقالوا نحن إنما جئنا من بلادنا بسبب القدس ولا نرجع دونه. وقال الأنكتار إن هذا الموقع
قد أفسدت مياهه ولم يبق حوله ماء أصلا، فمن أين نشرب؟ فقالوا له نشرب من نهر نقوع بينه وبين القدس مقدار فرسخ، فقال كيف نذهب إلى السقي؟ فقالوا ننقسم قسمين قسم يركب إلى السقي وقسم يبقى على البلد في المنازلة ويكون الشرب في اليوم مرة، فقال الأنكتار: إذاً يؤخذ العسكر البراني الذي يذهب مع الدواب ويخرج عسكر البلد على الباقين ويذهب دين النصرانية، فانفصل الحال على أنهم حكموا ثلاثمائة من أعيانهم وحكم الثلاثمائة اثني عشر وحكم الإثنا عشر ثلاثة منهم، وقد بانوا على حكم الثلاثة، فما أمروا به فعلوه، فلما أصبحوا حكموا بالرحيل، فلم تمكنهم المخالفة وأصبحوا في بكرة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة راحلين نحو الرملة وعلى أعقابهم ناكصين ولله الحمد. ومضى عسكرهم شاكياً السلاح، ولم يبق في المنزلة إلا الآثار، ثم نزلوا الرملة وتواترت الأخبار بذلك، فركب السلطان وركب الناس وكان يوم سرور وفرح. أفسدت مياهه ولم يبق حوله ماء أصلا، فمن أين نشرب؟ فقالوا له نشرب من نهر نقوع بينه وبين القدس مقدار فرسخ، فقال كيف نذهب إلى السقي؟ فقالوا ننقسم قسمين قسم يركب إلى السقي وقسم يبقى على البلد في المنازلة ويكون الشرب في اليوم مرة،