في عزيمته فاجتمع رأيهم على أنهم يخرجون إلى العدو فارسهم وراجلهم على غرة وغفلة منهم ففعلوا ذلك وفتحت الأبواب وخرجوا دفعة واحدة من كل جانب ولم يشعر العدو إلا والسيف فيهم حاكم عادل، وسهم قدر الله وقضائه فيهم نافذ نازل، وهجم الإسلام على الكفر في منازله، وأخذ بناصية مناضله ورأس مقاتلة، ولما ولج المسلمون لخيام العدو ذهلوا عن المنجنيقات وحياطتها وحراستها. وحفظها وسياستها. فوصلت شهب الزراقين المقذوفة. وجاءت عوائد الله في نصرة دينه المألوفة. فلم تكن ساعة حتى اضطرمت فيها النيران. وتحرقت منها بيدها ما شيدها الأعداء في المدة الطويلة في أقرب آن. وقتل من العدو سبعون فارساً وأسر خلق عظيم وكان من جملة الأسرى رجل مذكور منهم ظفر به واحد من آحاد الناس ولم يعلم بمكانته. ولما انفصل الحرب سأل الإفرنج عنه هل هو حي أم لا فعرف الذي هو عنده عند سؤالهم أنه رجل كبير فيهم وخاف أن يغلب عليه ويرد بنوع مصانعة أو على وجه من الوجوه فسارع وقتله وبذل الإفرنج فيه أموالاً كثيرة ولم يزالوا يشتدون في طلبه ويحرصون عليه حتى ريئت لهم جثته فضربوا بنفوسهم الأرض وحثوا على رؤوسهم التراب ووقعت عليهم بسبب ذلك خمدة عظيمة وكتموا أمره ولم يظهروا من كان واستصغر المسلمون بعد ذلك أمرهم وهجم عليهم العرب من كل جانب يسرقون وينهبون ويقتلون ويأسرون إلى ليلة نصف شعبان وكان الكندهري قد أنفق على منجنيق كبير عظيم الشكل على ما نقل الجواسيس والمستأمنون ألفاً وخمسمائة دينار وأعده ليقدمه إلى البلد ومنع من حريقه في ذلك اليوم كونه بعيداً عن البلد لم يقدم بعد إليه. ولما كانت الليلة المباركة المذكورة خرج الزراقون والمقاتلة تحفظهم من كل جانب والله يكلأهم فساروا من تحت ستر الله حتى أتوا المنجنيق المذكور وأضرموا فيه النار فاحترق من ساعته ووقع الصياح من الطائفتين وذهل العدو فإنه كان بعيداً من البلد وخافوا أن يكونوا قد أحيط بهم من الجوانب وكان نصراً من عند الله وأحرق بلهيبه منجنيقاً لطيفاً إلى جانبه.