لا وقت تفرّقها. فانكب على يده وقبلها كالمودّع له ونهض من ساعته وسار، وأمر أصحابه أن ألقوا القدور فيها الطعام وقلعوا الخيم وتبعوه، فلما بلغ السلطان صنيعه، أمر بإنشاء مكاتبة إليه يقول فيها: إنك أنت قصدت الانتماء إلى ابتداء وراجعتني في ذلك مراراً وأظهرت الخيفة على نفسك وقلبك وبلدك من أهلك، فقبلتك وآويتك ونصرتك وبسطت يدك في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم، فأنفدت إليك ونهيتك عن ذلك مراراً فلم تنته، واتفق وقوع هذه الواقعة للإسلام فدعوناك، فأتيت بعسكر قد عرفته وعرفه الناس وأقمت هذه المدة المديدة وقلقت هذا القلق وتحركت هذه الحركة وانصرفت عن غير طيب نفس وغير فصل حال مع العدو. فانظر لنفسك وأبصر من تنتمي إليه غيري، واحفظ نفسك ممن يقصدك فمالي إلى جانبك التفات. وسلّم الكتاب إلى نجاب فلحقه قريباً من طبرية، فقرأ الكتاب ولم يلتفت، وسار على وجهه. وكان الملك المظفر تقي الدين قد استدعى إلى الغزاة بسبب حركة مظفر الدين على ما سبق شرحه، فلقيه في الطريق في موضع يسمى عقبة ميق، فرآه محثاً ولم ير عليه أمارات حسنة، وسأله عن حاله، فأخبره بأمره وتعتب على السلطان كيف لم يخلع عليه ولم يأذن له، ففهم الملك المظفر انفصاله من غير دستور من السلطان وأنه على خلاف اختياره، فقال له المصلحة لك أن ترجع إلى الخدمة وتلازم إلى أن يأذن لك وأنت صبي ولم تعلم غائلة هذا الأمر، فقال ما يمكنني الرجوع، فقال: ترجع عن غير يد فليس في الرواح على هذا الوجه لك راحة أصلاً. فأصرّ على الرواح، فخشي عليه وقال: ترجع من غير اختيارك. وكان تقي الدين شديد البأس مقداماً على الأمور ليس في عينه من أحد شيْ، فلما علم أنه قابضه إن لم يرجع باختياره رجع معه حتى أتى العسكر، وخرج الملك العادل ونحن في خدمته إلى لقاء الملك المظفر، فوجدنا معه، فدخلا به على السلطان وسألاه الصفح