قتال عظيم من الجانبين وهو كالوالدة الثكلى يحول بفرسه من طلب إلى طلب ويحث الناس على الجهاد، ولقد بلغنا أن الملك العادل حمل بنفسه في ذلك اليوم مرتين والسلطان يطوف بين الأطلاب بنفسه وينادي يا للإسلام وعيناه تذرفان بالدموع وكلما نظر إلى عكا وما حل بها من البلاء وما يجري على ساكنيها من المصاب العظيم اشتد في الزحف والحث على القتال، ولم يطعم في ذلك اليوم طعاماً البتة وإنما شرب أقداح مشروب كان يشير بها الطبيب وتأخرت عن حضور هذا الزحف لإلمام مرض شوش مزاجي لما عراني فكنت في الخيمة في تل العياضية وأنا أشاهد الجميع، ولما هجم الليل عاد رحمه الله إلى الخيم بعد العشاء الآخرة وقد أخذ منه التعب والكآبة والحزن فنام لا عن عفو.
ولما كان سحر تلك الليلة أمر الكؤوس أن دقت وركب العساكر من كل جانب وأصبحوا على ما أمسوا عليه وفي ذلك اليوم وصلت مطالعة عن البلد يقولون فيها أنا قد بلغ منا العجز إلى غاية ما بعدها إلا التسليم ونحن في الغد ثامن الشهر إن لم تعملوا شيئاً نطلب الأمان ونسلم البلد ونشتري مجرد رقابنا وكان هذا أعظم خبر ورد على المسلمين وأنكى في قلوبهم فإن عكا كانت قد احتوت على جميع سلاح الساحل والقدس ودمشق وحلب ومصر وجميع البلاد الإسلامية واحتوت على كبار من أمراء العسكر وشجعان الإسلام كسيف الدين المشطوب وبهاء الدين قراقوش وغيرهما وكان قراقوش ملتزماً بحراستها منذ نزل العدو عليها وأصاب السلطان ما لم يصبه شيء مثله وخيف على مزاجه التشويش وهو لا يقطع ذكر الله والرجوع إليه في جميع ذلك صابراً محتسباً ملازماً مجتهداً والله لا يضيع أجر المحسنين، فرأى الدخول على القوم ومهاجمتهم فصاح في العسكر الصائح وركبت الأبطال فاجتمع الراجل