للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على النهر ولم يعد إلى الخيمة، وأمر الجاويش أن ينادي في العسكر بالعبور إليه، وكان في قلبه من الوقعة أمر لا يعلمه إلاّ الله تعالى، والناس بين جريح الجسد وجريح القلب، وأقام السلطان إلى سحر الخامس عشر ودقّ الكؤوس وركب، وركب الناس، وسار راجعاً إلى جهة العدو حتى وصل إلى قريب أرسوف وصفّ الأطلاب للقتال رجاء خروج العدو ومسيره حتى يصاف، فلم يرحل العدو في ذلك اليوم لما نالهم من التعب والجراح، وأقام قبالتهم إلى آخر النهار وعاد إلى منزلته التي بات فيها. ولما كانت صبيحة السادس عشر دقّ الكؤوس وركب، وركب الناس، وسار نحوهم، ووصل خبر العدو أنه قد رحل طلباً جهة يافا، فقاربهم مقاربة عظيمة، ورتب الأطلاب ترتيب القتال، وأخرج الجاليش، وأحدق العسكر الإسلامي بالقوم وألقوا عليهم من النشاب ما كان يسد الأفق، وقاتلت قلوبهم قتال الحنق، وقصد رحمه الله تحريك عزائمهم على الحملة، حتى إذا حملوا ألقى الناس عليهم وقصدوهم، ويعطي الله النصر لمن يشاء، فلم يحملوا وحفظوا نفوسهم وساروا مصطفين على عادتهم حتى أتوا نهر العوجاء، وهو النهر الذي منزلتنا أعلاه، فنزل في أسفله، وعبر بعضهم إلى غربي النهر، وأقام الباقون من الجانب الشرقي، فلما علم الناس بنزولهم تراجع الناس عنهم، وعاد السلطان إلى الثقل ونزل في خيمته وأطعم الطعام، وأتى بأربعة من الإفرنج قد أخذتهم العرب ومعهم امرأة فرفعوا إلى الزردخانات، وأقام بقية ذلك اليوم يكتب الكتب إلى الأطراف باستحضار بقية العساكر، وحضر من أخبر أنه قتل من العدو يوم أرسوف خيول كثيرة وأنه تتبعها العرب

<<  <   >  >>