للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس، وجعل لكل أمير وطائفة من الناس العسكر بدونه معلومة وبرجا معلوما يخربونه، ودخل الناس البلد ووقع الضجيج والبكاء، وكان بلداً نضراً خفيفاً على القلب محكم الأسوار عظيم البناء مرغوبا في سكناه، فلحق الناس عليه حزن عظيم، وعظم عويل أهله على مفارقة أوطانهم، وشرعوا في بيع ما لا يمكن حمله، فبيع ما يساوي عشرة دراهم بدرهم واحد، واختبط البلد، وخرج أهله إلى العسكر بذراريهم ونسائهم خشية أن يهجم الإفرنج، وبذلوا في الكراء أضعاف ما يساوي قوم إلى مصر وقوم إلى الشام وقوم يمشون إذا لم يقع لهم كراء، وجرت أمور عظيمة وفتنة هائلة لعلها لم تختص بالذين ظلموا، وكان هو بنفسه وولده الملك الأفضل يستعملان الناس في الخراب والحث عليه خشية أن يسمع العدو فيحضر ولا يمكن خرابها، وبات الناس في الخيام على أتم حال من التعب والنصب، وفي تلك الليلة وصل من جانب الملك العادل أن الإفرنج تحدثوا معه في الصلح، وأنه خرج إليه ابن الهنغري وتحدث معه وأنه طلب جميع البلاد الساحلية، فرأى السلطان أن ذلك مصلحة لما رأى في أنفس الناس من الضجر والسآمة من القتال والمصابرة وكثرة ما علاهم من الديون، وكتب إليه يسمح في الحديث في ذلك وفوّض أمر ذلك إلى رأيه، وأصبح في العشرين على الإصرار على الخراب واستعمال الناس فيه، وحثهم عليه، وأباحهم الهري الذي كان ذخيرة في البلد للعجز عن نقله وضيق الوقت والخوف من هجوم الإفرنج، وأمر بحرق البلد، فأضرمت النار في بيوته ودوره، ورفض أهله بواقي الأقمشة للعجز عن نقلها، والأخبار تتواتر من جانب العدو بعمارة يافا، وكتب الملك

<<  <   >  >>