العادل من الميسرة فإنه كان مريضاً وارتفعت الأصوات وضربت الكؤوسات وخفقت البوقات ورمت المنجنيقات وأحاط بهم الويل واشتد عزم النقابين في إيقاد النار فما مضى من النهار ساعتان إلا ووقعت البدنة وكان وقعها كوقع الواقعة ونادى الناس إلا أن البدنة قد وقعت فلم يبق من له أدنى إيمان إلا وزحف. ولا قلب من العدو إلا أرعد ورجف، هذا الزحف وهم على القتال أشد وأحزم. وعلى الموت أعزم وأكرم. وذلك أنها لما وقعت علا لها دخان وغبار. وأظلم الأفق وعميت عين النهار. وما تجاسر أحد على الولوج خوفاً من اقتحام النار. فلما انكشفت الظلمة ظهرت أسنة قد نابت مناب الأسوار. ورماح قد سدت الثلمة حتى غيبت نفوز الأبصار. ولقد رأيت رجلين على ممشى السور يمنعان المتسلق عليه من جهة الثلمة وقد أتى أحدهما حجر المنجنيق فأخذه ونزل إلى داخل وقام رفيقه مقامه متصدياً لمثل ما لحق صاحبه في ساعة أسرع من لمح العيون بحيث لم يفرق بينهما فارق.
ولما رأى العدو ما آل الأمر إليه سيروا رسولين إلى السلطان يلتمسون الأمان فقال رحمه الله الفارس بالفارس والتركبيلي بمثله والراجل بالراجل والعاجز على قطيعة القدس فنظر الرسول فرأى القتال على الثلمة أشد من إضرام النار فسأل السلطان أن يبطل القتال إلى أن يعود فقال لا أقدر على منع المسلمين من هذا الأمر ولكن ادخل إلى أصحابك فقل لهم يتجاوزون إلى القلعة ويتركون الناس يشتغلون بالبلد فما بقي دونه مانع فعاد الرسول بهذه الرسالة فانحاز العدو إلى قلعة يافا بعد أن قتل منهم جماعة عظيمة ودخل الناس البلد عنوة ونهبوا منه أقمشة عظيمة وغلالاً كثيرة وأثاثاً وبقايا قماش مما نهب من القافلة المصرية واستقرت القاعدة