ولما كانت صبيحة الثالث والعشرين حضر الرسل في خدمة السلطان وأخذوا بيده الكريمة وعاهدوه على الصلح على القاعدة المستقرة، واقترحوا حلف جماعة وهم الملك العادل والملك الأفضل والملك الظاهر عن نصرهم والمشطوب وبدر الدين دلدرم والملك المنصور ومن كان مجاوراً لبلادهم كابن المقدم وصاحب شيزر وغيرهم، فوعدهم السلطان أن يسير معهم رسلاً إلى الجماعة المجاورين ليحلفوهم لهم، وحلف لصاحب أنطاكية وطرابلس، وعلّق اليمين بشرط حلفهم للمسلمين فإن لم يحلفوا فلا يدخل في الصلح.
ثم أمر المنادي أن ينادي في الوطاقات والأسواق ألا أن الصلح قد انتظم في سائر بلادهم فمن شاء من بلادهم أن يدخل إلى بلادنا فليفعل، ومن شاء من بلادنا أن يدخل إلى بلادهم فيفعل، وأشار رحمة الله عليه أن طريق الحج قد فتح من الشام ووقع له عزم على الحج في ذلك المجلس وكنت حاضراً ذلك جميعه، وأمر السلطان أن تسير مائة نقاب لتخريب سور عسقلان معهم أمير كبير ولإخراج الإفرنج منها ويكون معهم جماعة من الإفرنج إلى حين وقوع الخراب في السور خشية استبقائه عامراً. وكان يوماً مشهوداً غشي الناس من الطائفتين فيه من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى، والله العظيم إن الصلح لم يكن من إيثاره، فإنه قال لي في بعض محاوراته في الصلح أخاف أن أصالح وما أدري أيّ شيء يكون مني فيقوى هذا العدو وقد بقيت لهم هذه البلاد فيخرجوا لاسترداد بقية بلا دهم ونرى كل واحد من هؤلاء الجماعة قد قعد في رأس قلعته يعني حصنه وقال لا أنزل فيهلك المسلمون. هذا كلامه وكان كما قال، لكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر وتظاهرهم بالمخالفة وكانت مصلحة