ثم دخلت سنة تسع وسبعين وخمسمائة وفيها ملك السلطان حصن آمد بعد حصار وقتال في العشرون الأول من محرم وسلمها إلى نور الدين محمد بن قره أرسلان بن داود بن سكمان بن أرتق صاحب حصن كيفا ثم سار إلى الشام وقصد تل خالد من أعمال حلب وملكها ثم سار إلى عينتاب وحصرها وبها ناصر الدين محمد أخو الشيخ إسماعيل الذي كان خازن نور الدين محمود بن زنكي وكان قد سلم نور الدين عينتاب إلى إسماعيل المذكور فبقيت معه إلى الآن فحصرها السلطان وملكها بتسليم صاحبها إليه فأقره السلطان عليها وبقي في خدمة السلطان ومن جملة أمرائه ثم سار السلطان إلى حلب وحصرها وبها صاحبها عماد الدين زنكي وطال الحصار عليه وكان قد كثرت اقتراحات أمراء حلب وقد ضجر من ذلك وكره حلب لذلك فأجاب السلطان إلى تسليم حلب على أن يعوض عنها سنجار ونصيبين والخابور والرقة وسروج واتفقوا على ذلك وسلم حلب إلى السلطان في صفر من هذه السنة فكان ينادي أهل حلب على عماد الدين المذكور: يا حمار. بعت حلب بسنجار. واشترط السلطان على عماد الدين المذكور الحضور إلى خدمته بنفسه وعسكره إذا استدعاه ولا يحتج بحجة عن ذلك ومن الاتفاقات العجيبة أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها:
وفتحكم حلباً بالسيف في صفر ... مبشر بفتوح القدس في رجب
فوافق فتح القدس في رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
وكان من جملة من قتل على حلب تاج الملوك توري بن أيوب أخو السلطان الأصغر وكان كريماً شجاعاً طعن في ركبته فانفلقت فمات منها.
ولما استقر عمل عماد الدين زنكي دعوة السلطان واحتفل فبينما هم في سرورهم إذ جاءهم إنسان فأسرّ إلى السلطان بموت أخيه توري فوجد عليه في قلبه وجداً عظيماً وأمر بتجهيزه ولم يعلم السلطان في ذلك الوقت أحداً ممن كان في الدعوة بذلك لئلا يتنكد عليهم ما هم فيه وكان يقول السلطان ما وقعت علينا حلب رخيصة بموت توري وكان هذا من السلطان من الصبر العظيم.