ثم دخلت سنة ست وثمانين وخمسمائة وفيها رحل السلطان عن الخروبة وعاد إلى قتال الإفرنج على عكا وكان الإفرنج قد عملوا قرب سور عكا ثلاثة أبراج طول البرج ستون ذراعاً جاءوا بخشبها من جزائر البحر وعملوها طبقات وشحنوها بالسلاح والمقاتلة وألبسوها جلود البقر والطين بالخل لئلا تعمل فيها النار فتحيل المسلمون وأحرقوا البرج الأول فاحترق بمن فيه من الرجال والسلاح ثم أحرقوا الثاني والثالث وانبسطت نفوس المسلمين بذلك بعد الكآبة ووصلت إلى السلطان العساكر من البلاد وبلغ المسلمين وصول ملك الألمان وكان قد سار من بلاده وراء القسطنطينية بمائة ألف مقاتل فاهتم المسلمون لذلك وأيسوا من الشام بالكلية فسلط الله تعالى على الألمان الغلاء والوباء فهلك أكثرهم في الطريق. ولما وصل ملكهم إلى بلاد الأرمن نزل في نهر هناك يغتسل فغرق وأقاموا ابنه مقامه فرجع من عسكره طائلة إلى بلادهم ولم يصل مع ابن ملك الألمان إلى الإفرنج الذين على عكا غير قدر ألف مقاتل وكفى الله المسلمين شرهم وبقي السلطان والإفرنج على عكا يتناوشون القتال إلى العشرين من جمادى الآخرة فخرجت الإفرنج من خنادقهم بالفارس والراجل وأزالوا الملك العادل عن موضعه وكان معه عسكر مصر فعطفت عليهم المسلمون وقتلوا من الإفرنج خلقاً كثيراً فعادوا إلى خنادقهم وحصل للسلطان مغص فانقطع في خيمته ولولا ذلك لكانت الفيصلة ولكن إذا أراد الله أمراً فلا مرد له.
ذكر غير ذلك من الحوادث
وفي هذه السنة لما قوي الشتاء واشتدت الرياح أرسل الإفرنج المحاصرون عكا مراكبهم إلى صور خوفاً عليها أن تنكسر وانفتح الطريق إلى عكا في البحر وأرسل البدل إليها وكان العسكر الذين خرجوا منها أضعاف الواصلين إليها فحصل التفريط بذلك لضعف البدل.
وفيها في ثامن شوال توفي زين الدين يوسف بن زين الدين علي كوجك صاحب إربل وكان مع السلطان بعسكره ولما توفي أقطع السلطان إربل أخاه مظفر الدين علي كوكبوري بن زين الدين علي كوجك وأضاف إليه شهرزور وأعمالها وارتجع ما كان بيد مظفر الدين وهو حران والرها وسار مظفر الدين إلى إربل وملكها.