للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوجه الثالث: هو أنه إما أن يقال بأن الإله هو هذا الشخص الجسماني المشاهد, أو أن يقال حل الإله بكليته فيه, أو حل الإله بجزء منه فيه.

والأقسام الثلاثة باطلة:

أما الأول: فلأن إله العالم لو كان هو ذلك الجسم, فحين قتله اليهود كان ذلك قولاً بأن اليهود قتلوا إله العالم, فكيف يبقى العالم بعد ذلك من غير إله؟ ثم أشد الناس ذلاً ودناءة اليهود؛ فالإله الذي تقتله إله في غاية العجز!

وأما الثاني: وهو أن الإله بكليته حل في هذا الجسم، فهو أيضاً فاسد؛ لأن الإله لم يكن جسماً ولا عرضاً امتنع حلوله في الجسم، وإن كان جسماً فحينئذ يكون حلوله في جسم آخر عبارة عن اختلاط أجزائه بأجزاء ذلك الجسم، وذلك يوجب وقوع التفرق في أجزاء ذلك الإله، وإن كان عرضاً كان محتاجاً إلى المحل, وكان الإله محتاجاً إلى غيره, وكل ذلك سخف.

وأما الثالث: وهو أنه حل فيه بعض من أبعاض الإله وهو جزء من أجزائه، فذلك أيضاً محال؛ لأن ذلك الجزء إن كان معتبراً في الإلهية فعند انفصاله عن الإله وجب أن لا يبقى الإله إلهاً, وإن لم يكن معتبراً في تحقيق الإلهية لم يكن جزءاً من الإله؛ فثبت فساد هذه الأقسام, فكان قول النصارى باطلاً.

الوجه الرابع في بطلان قول النصارى: ما ثبت بالتواتر أن عيسى - عليه السلام - كان عظيم الرغبة في العبادة والطاعة لله سبحانه وتعالى, ولو كان إلهاً لاستحال ذلك؛ لأن الإله لا يعبد نفسه, فهذه وجوه في غاية الجلاء والظهور دالة على فساد قولهم.

ثم قلت للنصراني: وما الذي دلك على كونه إلهاً؟ فقال: الذي دل عليه ظهور العجائب عليه من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وذلك لا يمكن حصوله إلا بقدرة الإله تعالى.

فقلت له: هل تسلم أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول أم لا؟ فإن لم تسلم لزمك من نفي العالم في الأزل نفي الصانع، وإن سلمت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول فأقول: لِمَ جوزت حلول الإله في بدن عيسى - عليه السلام - , فكيف عرفت أن الإله ما حل في بدني وبدنك وفي بدن كل حيوان ونبات وجماد؟

فقال: الفرق ظاهر, وذلك لأني حكمت بذلك الحلول لأنه ظهرت تلك الأفعال العجيبة عليه، والأفعال العجيبة ما ظهرت على يدي ولا على يدك, فعلمنا أن ذلك الحلول مفقود هاهنا.

<<  <   >  >>