للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت له: تبين الآن أنك ما عرفت معنى قولي: إنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول, وذلك لأن ظهور تلك الخوارق دالة على حلول الإله في بدن عيسى؛ فعدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك ليس فيه إلا أنه لم يوجد ذلك الدليل؛ فإذا ثبت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول لا يلزم من عدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك عدم الحلول في حقي وفي حقك وفي حق الكلب والسنور والفأر.

ثم قلت: إن مذهباً يؤدي القول به إلى تجويز حلول ذات الله في بدن الكلب والذباب لفي غاية الخسة والركاكة.

الوجه الخامس: أن قلب العصا حية أبعد في العقل من إعادة الميت حياً؛ لأن المشاكلة بين بدن الحي وبدن الميت أكثر من المشاكلة بين الخشبة وبين بدن الثعبان، فإذا لم يوجب قلب العصا حية كون موسى إلهاً ولا ابناً للإله، فبأن لا يدل إحياء الموتى على الإلهية كان ذلك أولى, وعند هذا انقطع النصراني ولم يبق له كلام. والله أعلم" (١).

فتبين من خلال هذا المناظرة أن الإمام الرازي استعمل مع هذا النصراني الحوار بالمنطق والعقل حتى وصل معه إلى النتيجة الأخيرة, فإذا به سكت وأفحم, ولو كان النصراني يستخدم العقل والمنطق لآمن وصدق لأن عقل العاقل لا يقبل مثل هذه الخرافات التي تنسب للإله من العجز والحلول.


(١) انظر: مفاتيح الغيب (٨/ ٦٩ - ٧١)، مرجع سابق.

<<  <   >  >>