للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه السادس: النقص من النص المنزل ليعطي دلالة توافق ما يريدون (١).

والمتتبع لكتب اليهود والنصارى يلاحظ فيها كل هذه التحريفات, كما يلاحظ فيها أن هناك أحكاماً ربانية كانت ثابتة في شرائع الله, ولكنها حذفت من هذه الكتب, وقد حذفوها لئلا يكون بقاؤها حجة عليهم عند الناس, كإخفائها, وأما التحريف بالزيادة والنقصان في الكتب فهو: "تحريف ألفاظه، وهم يعلمون أنهم يحرفون كلام رب العالمين عمدًا وكذبًا" (٢).

فتبين أن جميع معاني التحريف قد قام بها اليهود والنصارى من أهل الكتاب قبل مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - , ومارسوها أيضاً بعد بعثته فأخبره الله بما عملوه في كتبهم, وبما يريدونه من رسوله - صلى الله عليه وسلم - , حتى يكون الرسول على حذر منهم, وحتى يكون أهل الإيمان كذلك على حذر, وقد أخبر الله الصحابة الذين كانوا يطمعون في إيمانهم بقوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٣)

, وقد بين الإمام الطبري" بأنه لا فائدة من طمعهم بأن يدخل اليهود والنصارى في دينهم؛ لأنه قد حصل من أسلافهم السابقين_خصوصاً_ أحبارهم ورهبانهم أنهم كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وفهموه وتيقنوا أنه كلام الله, فكيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم؟ فإن الذي تخبرونهم عنه من الأنباء غيب لم يشاهده هؤلاء المعاصرون ولم يعاينوه, وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه، ثم يبدله ويحرفه ويجحده، فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق، وهم لا يسمعونه من الله، وإنما يسمعونه منكم, وهذا أقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعته ويبدلوه، وهم به عالمون، فيجحدونه ويكذبونه, وذلك ما فعله أوائلهم الذين سمعوا كلام الله من الله جل ثناؤه، ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف, وكل هذا هو إخبار من الله جل ثناؤه عن إقدامهم على البهت، ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى - عليه السلام -، وأن بقاياهم من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بغياً وحسداً وسائرون على خطى أوائلهم في عصر موسى - عليه السلام - " (٤).


(١) هذه الوجوه للتحريف أخذت أكثرها من كتاب مكائد يهودية عبر التاريخ، (ص: ٤٤٩ - ٤٥٠) المؤلف: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، الناشر: دار القلم، دمشق، الطبعة السابعة، ١٤٢٣ هـ ٢٠٠٢ م.
(٢) انظر: التفسير الميسر (١/ ٨٩) مرجع سابق.
(٣) سورة البقرة الآية: (٧٥) ..
(٤) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (٢/ ٢٤٨ - ٢٤٩) مرجع سابق.

<<  <   >  >>