للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤ - مكانة الزركشي العلمية]

هو الشيخُ بدرُ الدين الزركشي محمدُ بنُ بهادر بن عبد الله التركيُّ الأصل، المصريُّ المَوْطِن. وكان الزركشي مثالَ الطالب المجتهد، ثم مثالَ العالم المتفرغِ للعلم، لا يشغلُه عنه غيره، التزم شيوخه أثناءَ الطلب والتزم دارَه أثناء التأليف، وكان يتردد على المكتبات الأميرية، والمكتبات الخاصة مثل مكتبة القاضي برهان الدين بن جماعة، أو إلى سوق الكتب، يُطالع في حانوت الكتبي طولَ نهاره، ومعه ظهورُ أوراق يُعلق فيها ما يُعجبه، ثم يرجع، فينقله إلى تصانيفه.

بعدَ رحيلهِ إلى الشام، وأخذه عن الأذرعي، وابن كثير، وهُمْ مِن جيل العلماء الذين خَلَفُوا الفحولَ أمثال النووي وابنِ تيمية وابنِ القيم وابنِ الصلاح فاتصل عِلمُه - عن طريق شيوخه - بعلمهم، تأثر الزركشيُّ بشيوخه الذين تَلْمَذَ لهم، كما تبيَّن تأثُّره بطريقتهم في التأليف وسلوكِهم في حياتهم العامة.

ولقد استقلَّ بالتأليف في وقت مبكر، وأخذ من الذين سبقوه، وانتفع بهم خاصة شيوخ المذهب الذين انتشرت أسماؤهم وأسماء كتبهم في مصنفاته، ولكنه كان يعزو ما يأخذه إلى أصحابه، وإلى كتبهم. ولكن الزركشي - مع هذا - لم يكن مجردَ ناقل أو مقتبس، وإنما هو مؤلفٌ يعتمدُ على طرق البحث العلمي ومناهجه. نعم هو يأخذ من السابقين، ولكنه يُؤلف بين الآراء، ويُقرر مذهبه، وقد لاحظ العلماءُ والفقهاء الذين قرؤوا مؤلفاتهِ ذلك، وعلقوا عليه.

لم يشتهر الزركشي - مع عُلو قدره - إلا بعدَ موته، ويرجع ذلك إلى عزلته وعزوفه عن الحياة الاجتماعية، وحجبه نفسَه عن الناس لِميله