للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج: ص:  >  >>

- أ -

[مقدمة المحدث شعيب الأرنؤوط]

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعين، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وبعد.

فقد كنتُ إبَّانَ طلبِ العلمِ في الخامس والأربعين مِن القرن العشرين وما بعدها أعاني كثيرًا مِن التنقيب والبحث في حديثٍ من الأحاديثِ النبوية للتأكدِ مِن صِحته، إذ كانتِ المكتباتُ مقفِرَةً مِن كتب السُّنة، وكان التقليدُ الذي هو ظاهِرَةُ تِلْكَ الفترةِ يحولُ بَيْنَ الطالبِ وبَيْنَ القراءَةِ في كتب الحديث، والإفادةِ منها والتفقه بها، لأن الأساتذة الذين كانوا يَتَصدَّرُونَ للتدريس كانُوا يعتمدُون في ذاك العصر على الكتب الفقهيةِ المتأخرَةِ، العريَّة عن الدليلِ، أو فيها الأدلة، ولكن لا يَعْرفُ المتفقه الصحيحَ منها والضعيفَ والموضوعَ، وقد نقلوا ذلك عن شيوخهم، وكانوا شديدي التمسكِ بما فيها مِن آراء بحكم التقليد الذي نَشؤوا عليه، وتمكَّنَ مِنْ عقولِهِمْ، وقد انتقلَ هذا إليَّ، فلم يَكُنْ إذْ ذاكَ في مكتبتي إلا كتبُ الفِقه والعَربية، وما يمُتُّ إليهما بِسَبَبٍ، وكانت تخلو تمامًا مِن كُتُب الحديث حتى رياض الصَّالحين، وهو الكتابُ المتداول بَيْنَ الناسِ اليوم، ولا يكاد يخلو منهُ بيت، وكان هذا شأنَ طلبةِ العلم في جميعِ بلاد الشام إلا ما نَدَرَ.

وكان الأساتِذة يُحَذِّرونَ النبَغة والنابهين مِن تلامذتهم أن يَنْظُروا في كُتُبِ الخلاف التي تُسَمَّى اليومَ بالفقه المقارَن، وكانوا يُؤَصِّلُون في ذِهن الطالب فكرةَ التقليد إلى الأبدِ مهما كان هذا الطالب مستكملًا لأدواتِ النظر والبحث، بحيثُ يبقى عقلُه مُقْفَلًا يُشَاهِدُ الخطأَ، فلا يجرؤُ على بيانه، أو التنبيهِ إليه، أو مخالفته، مع أن الأئمة المتبوعين الذين هم على

ج: ص:  >  >>