للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القسم الثاني أم المؤمنين عائشة ومنهجها في نقد الحديث]

الحمدُ لله الذي أرسل نبينا محمدًا هُدىً ورحمةً للعالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتَم الأنبياء وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضوانُ الله تعالى على الذين آمنوا به وعزروه ووقروه من الأنصار والمهاجرين والذين اتبعوه بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

فَمِنَ المعلومِ أن الرسول بلَّغ الرسالة، وعلّم الكتاب والحكمة، وأدى الأمانة وخلَّف الكتاب والسنة، والذين صحبوه، واتبعوه، وهاجروا، وجاهدُوا معه، أخذوا منه ما أخذوا ثم عملوا به، ونقلوه، وكانوا يحرصون على صحبته، ويهتمون بسماع الأحاديث منه ومشاهدة سننه كل الحرص. ولكنهم لم يكونوا يسمعون كُلَّ الأحاديث مِن رسول الله مباشرة بسبب شغلهم فيحدث بعضهم بعضًا. قال الصحابي الجليل البراء بن عازب .

"وأصحابُ رسول الله كانوا يطلبونَ ما يفوتُهم سماعُه من رسول الله فيسمعونه مِن أقرانهم وممن هو أحفظُ على منهم، وكانوا يتشدَّدون على مَنْ يسمعون منه" (١).

ومِن مظاهر هذا التشدد أن بعضَ الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدين احتاطُوا، وتثبتوا في قبولِ الأخبار عن رسولِ الله ، وكانوا يُقِلُّون من الرواية عن النبي ، ولم يكونوا يقبلونَ الحديثَ مِن كل محدِّث خشيةَ أن يدخلوا في الحديث ما ليس منه سهوًا أو خطأ، فيقعوا في شُبهة الكذب على رسول الله بغير قصد.


(١) معرفة علوم الحديث للحاكم، ص ١٤.