للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرُها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار عن النبيِّ بثبوت ذلك، وسياقُ الأحاديث الصحيحة المتقدِّم ذكرها يُبْعِدُ هذا التأويل (١).

وقال الزركشي (٢): قال بعضُ الأئمة: "وروايةُ عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله لموافقتها نهيه عن الطِّيَرة نهيًا عامًا، وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله: "يدخل الجنة سبعون ألفًا بغيرِ حساب، وهم الذين لا يكتوون لا يَسْتَرْقُونَ ولا يتطيرون وعلى رَبِّهم يتوكلون" (٣).

[ب - عرضها الحديث على السنة]

أحد أهم مقاييس نقدِ الحديث هو عرض الرواية على سنة رسول الله ، أي: على أعماله أو أفعاله أو إقراره. وقد اعتمد بعضُ الصحابة في نقد الروايات على السنن حيث إنهم لازموا النبيَّ ، وشاهدُوا سننه طول صحبتهم معه ولا سيما أمُّ المؤمنين عائشة قد استندت على هذا المقياس في كثير من ردودها على الصحابة. وكانت عاشت معه ليلًا ونهارًا، في حَضَرٍ وسَفَرٍ حتى ارتحل إلى الرفيق الأعلى، وكانت أعرفَ الناسِ بأحواله وأعماله بذكائها وفقهها ووعيها، ومحاكمتها الحكيمة. وكانت تبحث عن قصدِ النبي وعلة فعله، أو منشأ تصرفه، أو مواظبته لهذا العمل، أو الظروف التي جرت السنة فيها، وتعيها كل الوعي، وتصحح الروايات راجعة إلى السنة المعروفة عندها.


(١) فتح الباري لابن حجر ٦ / (٢٨٥٨) و (٢٨٥٩).
(٢) الإجابة نفس الموضع.
(٣) أخرجه البخاري في الطب (٥٧٠٥) و (٥٧٥٢) ومسلم في الإيمان (٥٢٤ - ٥٢٥) وأحمد (١٩٩١٣) و (١٩٩٦٦) و (١٩٩٨٤).