قال الزركشي:"القاعدةُ الأصولية تقضي لحديث حذيفة من حيث إنه مثبت، فيقدَّم على من روى النفي. وجمع بعضُهم بين الروايتين لأن النفي في حديث عائشة ورد على صيغة (كان) بمعنى الاستمرار في الأغلب، وحديث حذيفة ليس فيه (كان) فلا يدل إلا على مطلق الفعل ولو مرة"(١).
قلت: ولو سلّمنا هذا الجمعَ لبقي الإشكال في قولها: "فلا تُصدقوه".
وهذه كلمة صدرت منها عفويًا ولا ينبغي تكذيبُ صحابي جليل مثل حذيفة فيما شاهده مِنْ فعلِ النبي ﷺ عند الحاجة ولو كانت مرة. يرحم اللهُ أم المؤمنين لو فَسَّرَتْ هذه الحالةَ مثل ما فَسَّرَتْ حديث غسل يوم الجمعة من ناحية سبب الورود والظروف، لكان خيرًا وأحسن تأويلًا.
[ج - عرضها الحديث على حديث عندها]
مِن المعلوم أن أمَّ المؤمنين عائشة معدودة في علماء الصحابة بالأحاديثِ روايةً ودرايةً، وهي الرابعة من المكثرين بين الصحابة الكرام، لقد ساعدتها قوة ذاكرتها في تصحيح المتون فعرضت الحديثَ أو الفتوى على الحديث عندها، واستعملت هذا المنهجَ في عدة استدراكاتها، ويبدو من هذه الروايات أنها:
١ - لما ذكر لها حديثٌ ما، إما صدقته بأنها سمعته من النبيِّ ﷺ، وإما أنها تذكر اللفظ الذي عندها.
٢ - بعد ما صدقت الحديث، تبيَّنُ قصدَ النبي ﷺ بهذا الحديث إذا فهم منه غير المعنى المقصود كما بينت في حديث "من أحبَّ لِقاء الله أحب الله لقاءه".