للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على وجوبه، فأخبرته عائشةُ أن الآية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه، وبيَّنت السبب في نزولها والحكمة في نظمها، وأنها نزلت في الأنصار حين تحرَّجُوا مِن السعي بين الصفا والمروة في الإسلام، وأنها لو كانت كما يقول عُروة لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوفَ بهما (١).

قال الزركشي: قال بعض علماء التفسير: "إذا كان الحرجُ في الفعل، قيل: لا جناح أن تفعل، وإن كان في الترك قيل: لا جناح ألا تفعل .. فاستدل ابن الزبير على عدم الوجوب بأن الحرج كان في الفعل لا في الترك، فقالت عائشة : "لو كان الحرج في الترك وأريد نفيُه كان "لا جناح ألا يطوف، لكن الحرج كان في الفعل فقيل: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (٢).

وهذا منها يدل على علم وفير، وفهم دقيق، ونظر ثاقب تفحص كُلَّ ما يُروى، وتُبيِّنُ خطأَه، وتوجهه التوجية اللائق به، فرضي الله عنها وأرضاها (٣).

[و - عرضها الحديث على الوقائع التاريخية]

وهذا مقياسٌ آخر استعملته السيدةُ عائشة أحيانًا في نقد الحديث. وقد حاولت أن تصحح بعض الأخطاء معتمدة على معرفتها بالوقائع التي عاينتها، أو تعرضها على معلومة تاريخية ثابتة عندها.


(١) شرح النووي على صحيح مسلم ٩/ ٢١.
(٢) انظر استدراكها على عروة بن الزبير من هذا الكتاب.
(٣) مقاييس نقد متون السنة للدميني، ص ١٠٨.