للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد رأينا بوضوح في جوابها لسؤال أبيها عن كفن رسول الله ، وفي استدراكها على من لا يري الصلاة على الجنازة في المسجد مذكرة أن النبي صلى على سهيل بن بيضاء في جوف المسجد.

كما رأينا في استدراكها على ابن عمر والبراء بن عازب في عدد عُمرِ النبي وكما رأينا في استدراكها لما ذكروا عندها أن عليًّا كان وصيًا، فقالت: "متى أوصى إليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري - أو قالت حجري - فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري وما شعرتُ أنه مات، فمتى أوصى إليه؟ " (١).

تلك الأمثلة التي ذكرناها تؤكِّدُ لنا أن للسيدة عائشة منهجًا في نقد الحديث ومقاييس استعملتها في استدراكاتها أصابت في جُلها، وأخطأت في النَّزْر اليسير كما اعترض العلماء عليها. وقد ابتكرت رحمة الله عليها هذا المنهج في النقد - وإن كانت بشكل يسير - حتى يفهم الناسُ سنة نبيهم فهمًا صحيحًا، ولا شك أنها وُفِّقَتْ في تطبيق منهجها - وإن أخطأت أحيانًا - وأرشدت إلى طريقة سليمة لفهم الأحاديث والسنن، فاتبعها العلماء من المتقدمين والمتأخرين في هذا المجال ولا سيما الباحثين في عصرنا هذا والذين يهتمون بالنقد المتنبي في علم الحديث، فلم يهملوا التعويل على استدراكات السيدة والتذكير بأصولها في انتقاداتها. ونحن الآن محتاجون إلى الأخذ بهذا المنهج في النقد أكثر من الأمس لفهم السنة فهمًا صحيحًا ونقلها إلى أجيالنا القادمة نقلًا سليمًا.

فرضي الله عن أم المؤمنين عائشة التي أنارت الطريق لأبنائها بالأمس واليوم وغدًا، وعلمتهم كيف يتعاملون مع الأحاديث النبوية، وكيف


(١) انظر استدراكاتها على كل منهم من هذا الكتاب.