للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالرغم من أن نقد الحديث يَشْمَلُ دراسةَ السند والمتن، فقد وقع نقد السند في أواخر أيام الصحابة. وكان في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، كما قال ابن سيرين (١)، وكانوا يُحدثون بعضهم بعضًا حتى ركب الناسُ الصعبَ، والذلولَ، فلم يأخذوا من الناس إلا ما يعرفون كما بيَّنه ابن عباس (٢).

لقد عاشَ النقد الحديثي أسعدَ أوقاته في عهد الصحابة. فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يَرُدُّ بعضُهم على بعض حينما يستمعون إلى متونِ الأحاديث المروية، والأحكام المتصلة بها، منهم من اعترض على رواية أخيه ومنهم من استدركه ومنهم من كذَّب ومنهم مَنْ صحَّح روايةَ صحابي أو تابعي وفقًا لمنهجه أو مقاييسه، وليس هذا إلا ليفهم القرآن وحديث الرسول فهما صحيحًا مستقيمًا.

ولا شَكَّ في أن نقدَ المتن من المنهج النقدي للحديث هو الأولُ عندَ الصحابة. ونماذجُ النقد المتنبي للحديث غير قليلة عندهم. وفي طليعتهم أمُّ المؤمنين عائشة حيث إن انتقاداتها مبثوثة في كتب الحديث ومصادر السنة ومجموعة عة في هذا الكتاب القيم.

١ - عائشة الصدِّيقة:

وكانت أم المؤمنين عائشةُ تعد أروعَ مثال في نقدِ الحديث بعشراتِ استدراكاتها على الصحابة والتابعين، "لأنها رُبيت في حجر أبي بكر الصديق أعلم الناسِ بأنسابِ العرب وأخبار قبائلها، وميزات بطونها،


(١) انظر كتاب العلل من سنن الترمذي (٥/ ٧٤٠).
(٢) انظر مقدمة صحيح مسلم، ص ١٣.