للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينهما، بل يحمل أحدهما على وجه والثاني على وجه آخر، حتى يتخلص من الخلاف الظاهري كما عملت السيدة في هذا الحديث (١).

إذًا قد فهم أبو سعيد الخدري هذا الحديث على الحقيقة، وفهمته السيدة عائشة على المجاز، وبيَّنت ما أراد النبيُّ بهذا الحديث، وقد أفادت وأجادت والله أعلم.

ومثال آخر لهذا الموضوع ما رواه كل من البخاري ومسلم عن عُروة قال: سألتُ عائشة فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨] فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة. قالت: بئسما قلت يا ابنَ أختي، إنَّ هذه لو كانت كما أوَّلتها عليه، كان لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهلون لِمَنَاة الطاغية التي كانوا يعبدونها بالمشلل، فكان مَن أهَلَّ يتحرج أن يطوفَ بينَ الصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول عن ذلك قالوا: "يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوفَ بَيْنَ الصفا والمروة فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية، قالت عائشة : وقد سنّ رسول الله الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما (٢).

قال النووي: قال العلماء: هذا من دقيق علمها، وفهمها الثاقب، وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ، لأن الآية الكريمة إنما دلّ لفظها على رفع الجناح عمَّن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا


(١) مقاييس نقد متون السنة للدميني، ص ١٠٧ - ١٠٨.
(٢) أخرجه البخاري (١٦٣٤) ومسلم (٣٠٨١).