للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الخطابي: "أما أبو سعيد، فقد استعمل الحديث على ظاهره، وقد روى في تحسين الكفن أحاديث، وقد تأوله بعض العلماء على خلاف ذلك فقال: معنى الثياب العمل، كنى بها عنه أنه يُريد أنه يُبعث على ما مات عليه من عمل صالح أو عمل سيء. قال: والعرب تقول: فلان طاهرُ الثياب: إذا وصفوه بطهارة النفس، والبراءة من العيوب، ودنس الثياب إذا كان بخلاف ذلك" (١).

ويؤيد إنكار عائشة وفهمها بعضُ الأحاديث المرفوعة كما أخرجه مسلم عن جابر قال: سمعت النبي يقول: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: "إذا أراد الله بقوم عذابًا، أصابَ العذابُ مَنْ كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم" (٢).

قال النووي: قال العلماء: معناه يُبعث على الحالة التي مات عليها ومثله الحديثُ الآخر بعده، ثم بعثوا على نياتهم (٣).

وفي هذا الحديث عرضت السيدةُ عائشة ما سمعته من أبي سعيد على ما يعرفه الجميعُ من أن الناس يحشرون حُفاة عراة غرلًا، وهي هنا لم تُخطّئ أبا سعيد فيما سمعه من رسول الله ، بل في فهمه الذي فهمه من الحديث، فقد أخذ بظاهر النص، ولم يدر أن النبي يعني بثيابه التي يبعث فيها عمله الذي مات عليه.

وهذا المنهج الذي سنته السيدةُ عائشة أحرى بالاتباع، فلا يبادر المرء إلى رَدِّ حديث صحيح لمعارضته معنى حديث آخر مع إمكان الجمع


(١) معالم السنن للخطابي ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٢) أخرجه مسلم (٧٢٣٢) و (٧٢٣٤).
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم ١٧/ ٢١٠.